الانتخابات البحرينية وفرص التحالفات النيابية

 

عبيدلي العبيدلي

تزحف على المواطن البحريني ساعة الاستحقاق النيابي حاملة معها مجموعة من التحديات، من بينها الموقف الصحيح منها، فهناك من يدعو لمقاطعتها معززا دعوته هذه بمجموعة من المسوغات التي هو، أكثر من سواه، مطالب بإعادة النظر فيها، وتقويمها من منظور استراتيجي بعيد المدى، وليس من مدخل تكتيكي ضيق الأفق. سوية مع ذلك، تفرض مسألة التحالفات السياسية التي يمكن بناؤها للتفاعل مع هذه الانتخابات نفسها بقوة على المترشحين، بمن فيهم أولئك الذين يخوضون المعركة الانتخابية بشكل فردي، بعيدا عن أي تكتل سياسي أو مدني.

وقبل الحديث عن التحالفات السياسية التي يمكن أن تفرزها العملية الانتخابية المقبلة لا بد من التوقف، ولو على شكل إطلالة سريعة على ملف التحالفات السياسية التي عرفتها الساحة الانتخابية خلال الدورات البرلمانية السابقة.

أول مدخل للإطلالة على تلك التجربة، يؤكد غياب ملف التحالفات السياسية من برامج الجمعيات السياسية، سواء تلك التي شاركت، أو حتى تلك التي قاطعت. والخروج الجازم بهذه الحقيقة التي ربما تكون صادمة لمكونات العمل السياسي البحريني، مصدره الفهم العلمي السليم لموضوعة التحالفات، المنطلقة من رؤية وطنية متكاملة غير خاضعة للمزاج "السياسي الطائفي"، ولا تسيرها النزعات المتعالية، ولا تتحكم في آلياتها الروح الانفعالية السريعة التحولات، ولا تتحاشى الثبات في الموقف ومواصلة الدفاع عنه.

فالمقصود بالتحالفات السياسية، حتى عندما نحصرها في عملية محددة هي الموقف من انتخابات البرلمان، هي تلك التي تنطلق من التعريف العلمي المتعارف عليه لمفهوم التحالف، والذي ينص كما تورده العديد من المصادر على أن "التحالف السياسي أو التحالف الحزبي هو اتحاد بين حزبين أو أكثر، تكون عادة ذات أفكار متقاربة، من أجل خوض انتخابات، أو حكم بلد أو منطقة أو جهة إدارية. يكون لكل طرف بالتحالف سياساته الخاصة، ولكن يختار مؤقتا أن يضع الخلافات جانبا لمصلحة الأهداف المشتركة والإيديولوجية. في بعض الأحيان، يتكون تحالف انتخابي من أطراف ذات أهداف سياسية مختلفة جدا، و يوافقون على تجميع الموارد من أجل وقف مرشح أو حزب معيّن من الحصول على السلطة. وفي معظم الدول الديموقراطية تشكل التحالفات عندما يكون طرف سياسي واحد أو مجموعة ليس لديها ما يكفي من الدعم السياسي في أعقاب نتائج الانتخابات".

وتضيف بعض المصادر الأخرى، أنّ "التحالف هى اعتراف بعدم قدرة كل حزب منفردا، على تحقيق الهدف الذى من أجله أنشأ التحالف، هذا الاعتراف، يفترض أن يترجم إلى وأقع عملى يفرض مساواة بين أطراف التحالف، وتكافؤاً فى إدارته وتنظيمه، أو فى الحد الأدنى صيغة يوافق عليها الجميع، وتعبر فى الوقت نفسه عن الجميع. إنّ قيام تحالف ناجح يعنى بالضرورة قيام كيان منظم وقوى ومبادر وممتد فى مجتمعه، وعلى كافة المستويات ".

بقي قضيّة لا بد من التوقف عندها وهي أن نجاح أو فشل أي تحالف، وفي أي بلد، ليس مرهونا برغبات ذاتية أو تمنيات فردية، بل هو منظومة متكاملة تحدد فشلها أو نجاحها مجموعة من القوانين والظروف المصاحبة، البعض منها موضوعي يخص المجتمع الذي يبنى فيه التحالف، والآخر ينبع من فهم وسلوك القوى المعنية بعملية التحالف.

فعلى المستوى الموضوعي، ينبغي أن يكون الوعي الاجتماعي في المجتمع قد وصل إلى درجة عالية من الوعي السياسي الذي يكون عندها مؤهلا كي يتحول إلى حاضنة حقيقية لأي عملية تحالف تقدم عليها، او حتى مجرد تدعو لها مكونات العمل السياسي النشطة في ذلك المجتمع. بمعنى أن الوعي الجمعي لمكونات العمل السياسي قد ارتقى وشكل مظلة فكرية هيأت المجتمع المعني للترويج لمشروعات وبرامج التحالف، التي بدورها تخصب الأرض المطلوبة التي تكفل نموه وانتشاره.عملية النضج التي نتحدث عنها هنا، ينبغي أن تكون منتشرة في صفوف نسبة عالية من القوى المحركة للعمل السياسي، وناضجة في دوائر صنع القرار ذات العلاقة به.

أمّا على المستوى الذاتي، وهذا هو الأهم والأكثر تأثيرا، فينبغي أن تتمتع القوى السياسية ذات العلاقة بمشروعات التحالف قد وصلت إلى قناعات استرايتجية راسخة بحاجتها الملحة لبناء سلسلة التحالفات، بما فيها تلك الانتخابية، التي تضمن نجاح التحالف من جهة، وتواجه القوى الأخرى التي تحاول، ولا تكفي عن وضع العصي في العجلة  التي تسير ذلك التحالف.

وفي هذا المجال، ينبغي التحذير من المدخل الانتهازي عند الشروع في بناء برنامج التحالف، وخلال عمليات تنفيذه، وهو محاول قوة معينة داخل ذلك التحالف الاستقواء به، ليس في صراعها السياسي مع الخصوم والمنافسين، وإنّما ضد قوة أو قوى منضوية تحت لواء ذلك التحالف. حينها يتحول التحالف من أداة استراتيجية لتحقق أهداف وطنية سياسية نبيلة إلى الوصول إلى مرام ضيقة الأفق قصيرة النظر.

وعلى نحو مواز ينبغي التحذير من مخاطر منهج بعض القوى الصغيرة المرتكز على نزعة تسلقية، التي قد تنوي نسج تحالفاتها مع قوى أخرى أكبر. فحين يكون الدافع من وراء ذلك  مجرد الاستفادة الانتهازية قصيرة النظر في الانخراط في برنامج تحالفي، سيفقد البرنامج التحالفي مبرر عمله، ويتحول إلى منصة قابلة للتآكل، والاضمحلال، ومن ثم تفشل قواها في الوصول إلى الهدف الذي من أجله تمّ بناء منصة ذلك التحالف.

مع اقتراب العملية الانتخابية تصبح القوى السياسية البحرينية التي قررت أن تخوض الانتخابات النيابية مطالبة أكثر من أي وقت مضى البحث الجاد عن مشروع تحالفي يضع حدا لحالة التشرذم التي تسيطر على الغرفة المنتخبة، ويعيد الأمور إلى نصابها الصحيح عند الحديث عن برلمان بحريني يليق بالمشروع الإصلاحي من جانب، ويرقى إلى مستوى النضج الذي تتمتع به الحركة السياسية البحرينية من جانب آخر.

وربما يحسن الختام باقتطاف نص ساخر، ورد على لسان الكاتب السوداني شرف حسن فتح الجليل يقول فيه، "هناك مقولة قديمة تقول إذا كان هناك شخص واحد بالعالم عُرف السلام وعندما يكونوا شخصان عُرف الصراع وعندما يكونوا ثلاثة عُرف التحالف. من هنا نجد أن التحالف هو ظاهرة قديمة قدم العصور التاريخية وهو ظاهرة حتمية تقتضيها الظروف".