علي بن مسعود المعشني
أقر وأعترف كمواطن عربي من سلطنة عُمان بأن عُمان والعُمانيون صندوق مُغلق للأشقاء العرب من الجوار ومن الجغرافيات العربية البعيدة الأخرى كذلك، والسبب الرئيس في تقديري يعود إلى عقود النزهة خارج التاريخ والركون على قارعة الأحداث والانكفاء على الذات قبل بزوغ فجر النهضة المباركة في 23 يوليو 1970م.
ومنذ انطلاق النهضة المباركة انكفأنا على أنفسنا إيجابًا حيث تحولت سلطنتنا الحبيبة إلى ورشة عمل حقيقية لتلبية نداء القائد وطموحه للحاق بركب الأمم ونفظ غبار التخلف، ولايُدرك سوى العمانيين أنفسهم وبعض من الأشقاء والأصدقاء من شركاء التنمية وشهود عصر النهضة حجم الفجوة الهائلة والقفزات الكبيرة التي تحققت خلال عقود النهضة المباركة والتي يمكن رؤيتها من واقع التوثيق المرئي وعبر استنطاق الأرقام ولغتها التي لاتكذب. هذا الانكفاء الإيجابي لضرورات التنمية ودواعيها أنسانا بعض الشيء وبعض الوقت التواصل الحيوي والمثمر مع العالم من حولنا إقليميًا ودوليًا لاعتقادنا بأن أفعالنا ستتحدث عنا لاحقًا و أن تاريخنا سيشفع لنا ويمنحنا هوية عابرة للأجيال والحدود .
الحقيقة التي يجب أن ندركها برحابة صدر ومدارك عقل هي أننا قصّرنا كثيرًا في حق عُماننا المعاصرة وكما قصّرنا بحق تاريخنا وأمبراطوريتنا، ولم نستطع تسويق أنفسنا بما يليق بنا ويليق بعُمان التاريخ والحاضر والمستقبل، فكان من نتائج ذلك أن رسم لنا البعض صورة نمطية غارقة في الأضداد وبعيدة كل البُعد عن واقع عُمان والعُمانيين . ومَردّ ذلك التطاول وحقيقته يعود بالدرجة الأولى إلى قصور مُعيب بنا وتسويق أنفسنا للآخرين وخاصة ممن تطاولوا في البنيان بأننا قوم نُسِج من أخلاقنا الصبر وتَحمّل الأسى والأذى وهي صفات حميدة بلاشك ومن نهج الصالحين والأولياء، ولكنهم يريدونها صفات تحفها الكثير من المسكنة وقلة الحيلة والعجز عن المواجهة والهروب من المواقف .
لم نُدرك على ما يبدو منذ فجر نهضتنا المباركة أن عُمان قابوس تحتاج إلى أدوات فكرية عميقة تصاحب الأدوات التقنية في بناء الدولة كالإعلام الفاعل والدبلوماسية الحيوية يضاف عليهما هوية سياحية منسوجة من قيم عُمان وثوابتها ومكوناتها حتى يمكننا السير بقدمين راسختين نحو البناء في الداخل وترميم ماعلق بعُمان والعُمانيين من غبش حضاري وتاريخي قهري بفعل سنين عجاف .
كل من زار عُمان أو ألتقى بعُمانيين أو تابع مواقف عُمان وسياساتها يتحدث بلغة المستكشف والرحالة، فيدركون مكانة عمان ويتحاشون أن يصيبوها بجهالة من أنباء الفاسقين وأقوال السفهاء، وهذا موقف نبيل من العقلاء ولكنه لايعفينا كعُمانيين من مسؤولية التقصير الحاد في نقل صورة عُمان المضيئة، عُمان كأقدم كيان سياسي عربي تشكل ومازال راسخًا لأكثر من ألفي عام، عُمان التي تغتسل الشمس في مياهها كل صباح قبل أن تجود بضياءها على أرجاء الوطن الكبير وكأن شمس العرب قدر وملك لعُمان ورمزية ربانية وهبة تحمل دلالات عميقة .
إذا تجاوزنا كل ما فات ذكره رغم أهميته وأفترضنا أن عُمان والعُمانيين قرروا ذات لحظة تاريخية التنكر لموروثهم القيمي، وتلبسوا المكر والخُبث ورفعوا شعار الغاية تبرر الوسيلة، واعتقدوا كأغرار التاريخ والسياسة اليوم أن العالم في الفصل الأخير من حلقات التاريخ ولاضير من الانفلات الأخلاقي لجني المكاسب المادية العارية وعلى حساب الآخرين . فلنضع أمامنا خارطة بكل الأحداث في منطقة الخليج فقط منذ عام 1970م وإلى اليوم ونتخيل بعد ذلك لوكنا خبثاء وماكرين، فكم ستكون مكاسبنا المادية من السياسات الانتهازية والإتجار بالمواقف والغدر بالأشقاء؟!
لا أستطيع أن أذكر أو حتى أتخيل حجم المغريات والترغيب التي عُرضت على عُمان والعُمانيين من أجل التكتل هنا أو هناك أو تسخير أرض أو ثروة أو تأييد موقف أو التخلي عن موقف، ففضلنا بيض الصحائف على سواد النفط والبنكنوت .
فعُمان والعُمانيون مصابون بهوس الصدق بحق ومنذ الأزل جيلًا بعد جيل والصدق فضيلة ذات قيم أخلاقية مُضافة تشمل الوفاء والإيثار والحلم والتعفف والزُهد والتروي ومعرفة الحق ومنازل الناس ومقاماتها. وعُمان والعُمانيون مثقلون بزاد التاريخ وصحائفه البيضاء الناصعة ومنهمكون بصناعة التاريخ ذلك التاريخ الذي لن يغفر لهم إنّ تجردوا من ذواتهم ذات لحظة مُغرية .
قبل اللقاء : ليتهم يُدركون أن من يسخر الضياء للأمة لا يمكن أن يسعى لظلامها وأن من يغترف من أعماق التاريخ صيت وقيم لايمكنه التنكر لموروثه فالأصل غالب عليه، فمن اليسير جدًا أن تتلون وتمكر ولكن ليس من اليسير أن تكون عُمانيًا صادقًا .
وبالشكر تدوم النعم..