حميد بن حمد الشكري.. سيرة مُعمِّر رحل بعد حياة مليئة بالعطاء

...
...
...
...
...
...

 

حبيب بن مرهون الهادي

صياء إحدى أكبر بلدان منطقة حطاط، وهي حاليا تتبع ولاية قريات بمحافظة مسقط، تضم بين جنباتها واحات واسعة من أشجار النخيل وغيرها من الأشجار والتي  يرويها عدد من الأفلاج، ومن صياء خرج الولاة والقضاة فكان الشيخ سيف بن سعود الأخزمي واليا على شناص في عهد السيد سعيد بن تيمور، وكان عزيز بن محمد الأمبوسعيدي قاضيا وفقيها؛ حيث تولى القضاء في عهد السيد فيصل بن تركي، ومن قضاتها أيضا في الوقت الحاضر فضيلة الشيخ محمد بن سالم الأخزمي رئيس محكمة الاستئناف بمحافظة مسقط.

ومن الأمثلة المهمة سيرة حياة أحد المُعمرين في هذه البلدة وهو حميد بن حمد بن علي الشكري الذي توفي 28 أغسطس الماضي بعد عمر ناهز على (115) سنة تقريبًا، حيث عاصر عددا كبيرا من سلاطين عمان وأئمتها، فقد ولد في بدايات القرن العشرين حينما كان يحكم عمان السيد فيصل بن تركي بن سعيد بن سلطان (1888 – 1913م) وعاصر من بعده ابنه السيد تيمور بن فيصل (1913م- 1932م)، ثمّ حفيده سعيد بن تيمور بن فيصل (1932م- 1970م)، ثمّ في العهد الزاهر بقيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد حفظه الله ورعاه حيث عاش (48) سنة، أي أنّه عاصر أربعة من حكام دولة البوسعيد خلال القرنين العشرين والحادي والعشرين الميلاديين.

استمر حميد بن حمد الشكري في عطاءاته لمجتمعه من خلال أعماله الكثيرة فقد كان معالجًا حاذقًا وصاحب أمانة ووفاء، حيث أسهم في سد ثغرة مهمة في المجال الطبي سواء في بلدته أم البلدان المجاورة، فكان يقصده المرضى للتداوي عن مختلف الأمراض بما أتاه الله من علم ومعرفة من خلال العلاج بالأعشاب الطبية أو الرقية الشرعية، كما عمل في مجال الأوقاف وأموال الأيتام والقُصَّر في فترة الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وتحكي لنا الروايات عن أمانته وحرصه على أموال الأيتام محافظا عليها من كل اعتداء أو احتيال فبلغه أن أيتامًا في إحدى القرى الحطاطية تعرضوا لمظلمة في قسمة طناء النخيل فجاء سريعا لتلك البلدة ورفع المظلمة عنهم فأنصفهم وأعاد إليهم حقهم، ومن أمانته أيضا كانت الناس تستودع عنده أموالها حيث كان يملك خزينة كبيرة يحفظ فيها أموال الناس الذين لا يأمنون على أموالهم من الضياع، كما كانت لديه معرفة جيدة بعلم الفلك ومواسم الزراعة والحصاد وكان وكيلا لفلجي الشيحاني والمجاري لأكثر من 35 سنة، ويملك من تلك المزروعات حصة رعاها طول حياته كرعيته لأبنائه، وقد تعلم ذلك من خلال التجربة والمحاولة والممارسة والاستفادة من الجيل السابق لينقل تلك المعارف إلى الجيل اللاحق وهكذا هي مسيرة الحياة الإنسانية.

وكغيره من العمانيين الذين سافروا للعمل في بلدان الخليج في فترة ظهور النفط بتلك الدول حيث حط به المقام في البحرين ثم في السعودية فعاش هناك فترة من الزمن ثم عاد إلى وطنه ليظل يعمل بين جنبات نهر صياء المبغي وبين بساتينها الوارفة الظلال بأشجار النخيل الباسقة التي تطاول هاماتها قمم الجبل الأسود الشامخ بعلو( 2000م) والذي تستظل صياء بظله، وتتفجر أنهاراها من حجره، وتبنى بيوتها على مدره.

وقد خلَّف حميد بن حمد الشكري ذرية طيبة فتزوج من النساء ثلاثا، وله من الأولاد والأحفاد (256) فردًا من خلال أربعة أجيال متعاقبة وأكبر أبنائه في منتصف الثمانينيات من عمره، فكان حميد بن حمد علامة فارقة في هذه الأسرة فهو مرجعها ومرشدها، فيوجه هذا وينصح ذاك بأسلوب تربوي حصيف ينبئ عن دراية وخبرة استلهمها من هذا العمر المبارك الذي كان نعمة عليه، مصداقًا لقول النبي عليه الصلاة والسلام (خير الناس من طال عمره وحسن عمله) وقد كان لفترة قريبة يمارس حياته بشكل طبيعي رغم أنّه تخطى المائة عام، وكان يتمتع بصحة جيّدة حتى آخر سنتين من عمره أصبح مقعدًا إلى أن وافاه الأجل المحتوم في بلدته صياء، وقد دُفِن فيها.

تعليق عبر الفيس بوك