د. سيف المعمري
إنْ كان لنا أن نصف الفترة الحالية في منطقتنا فهي فترة "تكاثر الشياطين" وتوالدهم، إنهم يخرجون من كل مكان، وكأننا نشهد ثورة لا مثيل لها للشياطين، الذين يُحاولون أن تكون لهم الكلمة العُليا التي لا كلمة بعدها لأحد، من أجل إعلاء حجم الدمار والشر الذي يبثُّونه من حولهم، ولا تعنيهم أصوات الأنين الإنساني التي تنبعث من تلك الأجساد التي يحرقها شرهم؛ يرسمون وجوها ملائكية ليخفوا أشكالهم الشيطانية البشعة، لم يُجيدوا شيئا كما أجادوا حِياكة المؤامرات لكي يطرُدوا الناس البسطاء من المُؤمنين من جنتهم التي لن يجدوا مثيلا لها.
لم يعد لهم من اهتمام بخير الشعوب التي تجاورهم، وتتكلم إليهم بنفس لغتهم، وتتشارك معهم في المسير والمصير، فقد ختم الشر على قلوبهم، إنه لمن المُحزن أن يتخذ هؤلاء من "الشيطان" معلما، وهم لديهم معلم لم يتحاور أو يتكلم أو يتحدث أو ينقل إلا عن الملائكة الأمناء، لماذا ينقلب هؤلاء على كل خير في المنطقة، ويبثون كل هذه الأبواق الشيطانية لكي تنشر سمومها ضد كل أحد لا يُنصت لما تقول، ولا يعزف معهم في جوقتهم الشيطانية، التي لا يطرب لها إلا الشياطين أمثالهم.
إنَّ الشياطين لا يُمكن أن تضلل إلا الشياطين أمثالها، ولا يمكن أن تجد من يُنصت لكلامها إلا من يحوم في نفس مداراتها، أما الذين لم ينتموا لحزب الشيطان فلن يتأثروا بما يبثون من ضلال، ولن ينالهم سوءًا مما يقولون، ولن يجدوا معهم من يصطاد في مياههم العكرة إلا مَنْ كان يحمل نفس صِنارتهم الملوثة، يُمارسون العرافة، محاولين الإيهام بأنهم أدرى بمستقبل من حولهم، وأن لا مستقبل إلا بهم، ويدللون على ذلك بأحلام يقظة سَئِموا سنين من انتظار تحقيقها، ويضربون الرمل ويرسمون عليه أوهاما طال أوان تحقيقها، وتغريهم شياطينهم بقدراتهم الخارقة على تحقيقها لهم، فيمضون وراء كل سراب حتى تخيب آمالهم، ويتحدثون بالباطل محاولين إيهام الآخرين بالحق، ولكن لا أحد يقتنع به؛ لأنَّ حين تتحدث الشياطين عن الملائكة لا أحد يُنصت لهم، ويُسيئهم حين لا يجدون ردودًا بنفس شيطانية ردودهم، يُغضبهم أن لا يجدون ردودًا بنفس دناءة لغتهم، ولا يستثيرون غضبا يتوازى مع أساليبهم الشيطانية في التعامل مع الآخرين، يُقلقهم مخزون الحلم الذي يحمله الآخرون عليهم، ويُقلقهم عدم الخوف من الرعب والقوة التي يُوهمون الآخرين بها؛ لأنهم يُريدون أن يبسطوا تأثير أرواحهم الشريرة في الأنفس حتى يمضي الجميع خلفهم، ونسوا أن السحر الذي يُحاولون أن يبسطوه في الأرجاء يلتقطه سحرٌ آخر لا يقوى أحد على أن يُقاومه، أو أن يهزمه، وهو النأي عن الاعتداء على الآخرين، أو النيل منهم بالقول السيئ، أو التعاون عليهم، أو المشاركة في التحريض ضدهم، وأنهم لا يتصارعون مع القوى الشريرة بالسب والشتم والقذف والإشاعات، إنما يتصارعون معها بشيء أقوى لا يمكن التغلب عليه، إنهم يتمسكون بترس قيمهم الكبير الذي يؤمنون أنهم به سوف يُطفئون جميع السِّهام المشتعلة التي تأتيهم اليوم من كل الأرجاء، نحن ندرك هنا أنَّ الشياطين لن يرموا أسحلتهم التي تعوَّدنا عليها منذ زمن طويل، ونحن لن نرمي ترسَ إيماننا بقيمنا ومبادئنا وأخلاقنا وعاداتنا وقواعد تعاملنا مع الآخرين، لن نتهاون في تمسكنا بذلك الترس؛ لأنه هو الذي سيردُّ عنَّا كل هذه السِّهام الملوثة، مادمنا متشبثين به سوف تصمت الشياطين حين نتكلم، لن يكون لهم صوت في حضور كلمتنا؛ فالكلمات التي تُولد في النور لن تجرؤ على مجابهتها الكلمات التي تُولد في الظلام، والأصوات التي تتحدَّث عن يقين لن تُخرسها الأصوات التي تملي عليها الشياطين ما تقول.
لا شكَّ أن الأساليب الشيطانية التي يتحرَّك بها البعض ضِد عُمان، والتي تظهر على أفواه المتحدثين باسم الشيطان، خطرة لا يمكن التقليل منها، ولكن علينا أن نؤمن أنه لا أحد يمكنه النيل من بلدنا، وهي تنأى بنفسها عن كل هذه التجاذبات الشيطانية التي تجري على مختلف الأصعدة السياسية والإعلامية، ولا يمكن أن تضعف مناعتها من كل ما يجري، مادُمنا قابضين بشدة على تِرس مَبادئنا وقيمنا، لا نردُّ السيئة إلا بالحسنة لكي نمحوها، ومسؤوليتنا كبيرة في أن نقدم النموذج الناصع الذي يمحو كل ما يقترف في منطقتنا من شر وضلال الآن.