النظام العالمي الجديد (3)

فوزي عمار *

 

الجميل والمدهش ما تقوم به الصين في العالم؛ فهي حليف إستراتيجي لإيران، وجزء من مجموعة (BRICS)، التي تضم: روسيا والهند والبرازيل من جهة، إضافة لشراكة إستراتيجية كبري مع الخصم أمريكا؛ فبعد سقوط الاتحاد السوفييتي ظهرت الصين كقوة منافسة لأمريكا، وكان عليها الاختيار بين صراع كسر العظم على غرار ما حدث بين أمريكا والاتحاد السوفييتي، أو التحول إلى صراع/مشاركة الرابح رابح (Win-Win Situation).

اختارت الصين الخيار الأخير، وكانت الصفقة شراؤها ديون الخزانة الأمريكية مقابل أن تطلق أمريكا يد الصين في إفريقيا وهذا ما حدث، شراكة الرابح رابح خولت الصين بيع منتجاتها في أمريكا التي تمر ربع تجارة العالم بها، ولم تخسر هذا السوق الضخم من جهة، وسمحت للشركات الأمريكة للتصنيع في الصين حيث العمالة الماهرة الرخيصة؛ مثلما تفعل شركة "آبل" التي تصنع الهاتف المحمول الأشهر في العالم "آي فون" في الصين.

الشراكة أجازت للشركات العالمية الكبري -والتي تقدر بقرابة 3000 شركة عالمية عابرة للقارات والبحار- التصنيع في الصين دون الحديث عن النظام السياسي الديكتاتوري الصيني الذي يتنافى مع الديمقراطية الغربية التي تريد أمريكا نشرها في العراق وليبيا وسوريا؛ فالتنين الصيني يملك من المقومات خاصة الفائض النقدي أن يقول "لا" لأمريكا المدينة له بخمسة ترليونات دولار.

حقَّقت الصين نموًّا اقتصاديًّا في حدود 10% سنويًّا، وحققت أمريكا بتحالفها مع الصين شراء بعض ديونها.. هذا اقتصاديًّا وسياسيًّا تطويع الحليف الخصم والصديق اللدود فرنسا وأوروبا *العجوز، كما وصفها وزير الدفاع الأمريكي رامسفيلد- فاليورو يشكل أكبر تهديد للدولار -الذي يُطبع دون رصيد ذهبي منذ قرار الرئيس نيكسون عام 1971- لذلك لم تنضم الحليفة والأخت الكبري بريطانيا لهذه العملة رغم الوجود الجغرافي في منطقة اليورو، كما أن أمريكا لن تسمح لألمانيا العدو السابق أن تقود أوروبا.

الصراع والحرب الباردة اليوم هي بين فرنسا وأمريكا والصين وروسيا على إفريقيا.. الصين التي تعتبر أكبر شريك اقتصادي لإفريقيا حسب تصنيف 2014.. وفرنسا من جهتها بدأت تُغازل روسيا العائد للسوق العالمي بقوة، بدعوة التحالف في الحرب على الإرهاب، والتي يشكل التواجد الصيني في إفريقيا تهديدا مباشرا لها. فإفريقيا ليست فقط حديقة خلفية ومُستعمرات قديمة لفرنسا، بل إن النيجر وحدها تمد فرنسا بـ4000 طن يورانيوم سنويا ينتج 75% من كهرباء فرنسا النووية.

الصين التي أصبحت تملك أول قاعدة عسكرية خارج أراضيها في جيبوتي -في تغير نوعي للتواجد الصيني

في الخارج، بموافقة أمريكا طبعا- حتي الاتفاق الأمريكي/الكوري الشمالي الأخير كانت أصابع الصين فيه واضحة؛ فكوريا الشمالية تعتبر مخلبًا قط في يد الصين. الصين التي تريد أن تضمن تقسام ثروات العالم مع أمريكا، والتي تجمع بين حلف اقتصادي مع أمريكا وحلف آخر مع روسيا وإيران -خصوم أمريكا- يجعلها القوة الصاعدة دون منازع. كل هذا يجعلنا نقول إن العالم يتشكل من جديد، وأن الصين ستكون اللاعب الأهم اقتصاديًّا في النظام العالمي الجديد وقريبا جدًّا.

* كاتب ليبي

تعليق عبر الفيس بوك