"شواء التتونين"

طالب المقبالي

 

قد يبدو العُنوان لدى البعض غريباً؛ لذلك قبل البدء في موضوع المقال، وقبل الإسهاب فيه، أود أنْ أوضِّح تفسيرَ العنوان، حتى يَسْهُل على القارئ مُتابعة المقال، وإنْ كان من وجهة نظري لا يحتاج إلى تفسير؛ فالشواء معروفٌ لدى الجميع، ولكن هنا أعني بالتحديد شواء التنور، وهو عادة من عادات عيدي الفطر والأضحى، أما كلمة "التتونين" فهي كلمة عُمانية، وتطلق للجمع، ومفردها تتون، وتعني الصغير أي الطفل الصغير، وبالبحث في معاجم اللغة العربية لم أجد لها معنى ككثير من اللهجات العربية الدَّارجة، وليست اللهجة العمانية وحدها.

والشيء بالشيء يُذكر، فقد كانتْ أمي -رحمها الله- تردِّد وأنا ما زلتُ حينها طفلاً، فتقول: "قد كنت بالأمس وليداً ديدني دَدِن بين براغيز خُرَد"، وقد سألتها عن معاني هذه الكلمات لأنني لم أفهم شيئاً منها؛ فقالت: وليداً ديدني دَدِنٌ، أي طفل صغير، وبين براغيز خُرَد، أي بين النساء، فالبراغيز الخرد هن النساء.

وبالبَحْث حديثاً في شبكة المعلومات، وفي المعاجم الإلكترونية عن معاني هذه الكلمات، لم أجد لها معنى، فربما لو بحثت في بعض كتب اللغة لوجدت التفسير، وكانت أمي -رحمها الله- تردد دائماً أبياتاً شعرية وعظية وحكمًا عن الإمام الشافعي -رحمه الله.

ويبدو من خلال هذه المقدمة أنَّ الموضوع برُمَّته قد وضح، وهنا أودُّ تسليط الضوء على عادة جميلة من العادات العمانية الحميدة التي دأب الآباء والأجداد في بلادنا على تعويد الناشئة عليها؛ حفاظاً عليها من الاندثار.

ففي قرية عيني بولاية الرستاق، دأب الأهالي على تعويد الأطفال على عادات يقوم بها الكبار وتتوارثها الأجيال جيلاً بعد جيل، وذلك للحفاظ عليها، من خلال تشجيع الأجيال الجديدة على هذه العادات؛ ومنها: ممارسة عادة "شواء التتونين" أي الصغار؛ حيث يتم تجهيز خصاصيف صغيرة تُخصَّص للصغار وتجهَّز باللحم بمقدار بسيط لحاجة الأطفال، والخصاصيف هي جمع خصف وهو الظرف المصنوع من سعف النخيل، على أن يُدفن شواء الصغار في تنور مُخصَّص لهم، ويترك ليوم واحد، بخلاف تنور الكبار الذي يترك ليومين.

ويتزامن إخراج الخصاصيف في صباح ثاني أيام العيد، وهو اليوم المخصص للمشاكيك في ولاية الرستاق وبعض الولايات المجاورة. أما شواء الكبار، فيتم إخراجه من التنور في اليوم الثالث للعيد، وقد سبق وأن سلطت الأضواء على هذه العادة في سبتمبر 2015 عبر جريدة "الرؤية".

فهذه العادة واحدة من العادات الجميلة التي تلمُّ شمل أهالي القرية أو الحي الواحد، ويعملون معاً كأسرة واحدة وكأنهم خرجوا من بيت واحد، لا تُفرِّق بين أخ وأخيه وبين جارهم، وبين ابن ووالده وبين الجار، فهذه اللحمة تجدها في جميع المناسبات.

وفي قرية المسفاة بولاية الرستاق، هُناك عادة جميلة تُعرف بوجبة الوقف، وهي عبارة عن وجبة عشاء جماعية تُقام لأهالي القرية في يوم عرفة، وتقام تنفيذاً لوصية قديمة بعدد من النخيل خُصِّص ريعها لهذه الوجبة التي تقام كل عام.

فمثل هذه العادات كثيرة ومتنوعة في ولاية الرستاق، وفي كثير من ولايات السلطنة، لا سيما عادة إفطار صَائم التي أُوقفت لها النخيل والمزروعات ليُنفق عليها من رِيع هذه الأموال، ولهذه العادات أهداف متعددة؛ منها على سبيل المثال: الاجتماع والإلفة، ومن ثمَّ إطعام الفقير الذي لا يستطيع الإنفاق على نفسه وعلى أسرته، وتعتبر هذه الأموال الموقوفة من الصدقات الجارية.

وهناك عادات كثيرة في مُختلف ولايات السلطنة لا يستوعبها مقال واحد، ولكن بعض العادات لما لها من أهمية تفرض نفسها، وتستحق أن نقف عليها؛ لأنَّ البعض منها أوشك على الاندثار؛ فرغم التطور الحديث فإن التمسُّك بالماضي شيء جميل، وإن كان البعض ينتقده، ويعزو تأخر العرب والمسلمين إلى حنينهم للماضي، والافتقار إلى النظرة المستقبلية.

muqbali@gmail.com