الهوس بالمشاهير.. إلى أين؟

نوف الحراصية

 

تهدينا الحياة من يزرع لنا الأثر في حياتنا، ومن باستطاعته أن يغير من فكرنا، فجميلة هي القدوة في الحياة والأجمل من ذلك أن يكون الشخص المقتدى به أهلا لذلك. لقد ساهم الإعلام الجديد في ظهور فئة جديدة من المؤثرين، ولكن ظهر من بين هؤلاء من هم غير أهلا لهذا اللقب، فالمحتوى الذي يقدمه البعض ممن يطلق عليه لقب المؤثر في منصات التواصل الاجتماعي لا يضيف للمتابع أي قيمة سوى أنّه يعرض يومياته بتفاصيلها المملة، والأمر المثير للاشمئزاز أن يصل الناس إلى مرحلة الهوس بهؤلاء ويصبحوا كالاتباع، ويتجاهلون أصحاب المحتوى الرفيع الذي يساهم في إثراء ورقي الفكر.

"مشاهير" هذه الكلمة التي أصبح يهذي بها العديد من الناس حتى باتت شغلهم الشاغل، كل منهم اتخذ له ظلا لا يفارقه من الشخصيات البارزة في مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبح يتبعها دون تحكم بعقله كالقطيع ودون إدراك لعواقب ذلك الاتباع، الأمر الذي قد يؤدي بشخصية المرء إلى الاندثار نتيجة تقمصه لشخصية المهوس به بالإضافة إلى الشعور بالدونية واحتقار الذات. المشكلة هنا تكمن عندما لا يقدم هؤلاء المشاهير ما يستحق الذكر ولا يصنعون شيئا بالمحتوى الذي يقدمونه سوى أنهم يقومون بتصوير يومياتهم وعرضها، والمشكلة الأكبر عندما يطلق عليهم لقب المؤثرين وهم لا يمثلون أي قيمة تذكر لمتابعيهم من خلال المحتوى الذي يقدمونه.

وإذا أتينا إلى أسباب هذا الهوس والرغبة في تتبع أخبار المشاهير؛ نجدها في وقت الفراغ الذي يملأ حياة الشباب وحب الاستطلاع والفضول الذي يرغم الشخص على متابعة تفاصيل الشخصية المهوس بها، كما أنّ الآباء يلعبون دورا في هذا الجانب من خلال تعويد أبنائهم منذ نعومة أظفارهم على التعلق بالمشاهير.

إنّ هذا الهوس بمشاهير لا يقدمون محتوى هادفا ومؤثرا أدى إلى تراجع منظومة القيم والعادات والمبادئ التي تربى عليها المجتمع نتيجة تقليدهم السلبي واللاواعي لهذه الفئة، فمن المخزي والمستغرب أن يصل هوس هؤلاء إلى درجة مطاردة المشاهير والتصرفات الغير اللائقة التي تحدث عند استضافتهم في أحد المحافل لدرجة أنّهم لا يستطيعون التحكم بأنفسهم، والبعض الآخر يصل به الحال إلى الإغماء من شدة البهجة عندما يرى الشخصية الشهيرة التي يحبها ماثلة أمامه، مواقف تبين مدى سطحيّة الفكر الذي وصل إليه البعض من جراء دعم من لا يستحق الدعم. وقد يصل الأمر بالبعض إلى استشارة هؤلاء المشاهير في حياتهم ظنا منّهم بأنهم أصحاب خبرة في الحياة، ويتخذونهم كمثل أعلى لهم فيتأثرون بثقافة هؤلاء المشاهير. ويأخذون ما يتقولون به من باب المسلمات.

ومن المثير للاستغراب لما كل هذا الهوس والتقليد الذي نراه لهؤلاء الفئة من المشاهير، وقيام بعض المؤسسات باستقطابهم ودعمهم؟ في حين أنّ هناك نخبة من أهل الابتكار والإبداع والعلوم ممن لا يحظون بهذا الاهتمام، لماذا نواصل في جعل الحمقى مشاهير، ونحن نعلم أنّ المحتوى الذي يقدمونه تنخفض فيه مستوى الذائقة بشكل عام وقد يرمي بالبعض إلى الحضيض وإلى بناء شخصيات سطحية المعرفة والفكر، لماذا كل هذا الهوس بالتصوير مع المشاهير؟!

لابد من إعادة النظر فيمن نطلق عليه لقب المؤثر وتجنب إطلاق هذا اللقب على أي أحد، ولابد من صناعة مؤثرين حقيقيين في الساحة الإعلامية حتى نرتقي بمستوانا الفكري ونتجنب تقليد كل ما يعرض، ولنتوقف من جعل الحمقى مشاهير!

noufalharrasi@gmail.com

تعليق عبر الفيس بوك