كشف حساب لـ"اتحاد اليد"

وليد الخفيف

بعد إخفاق منتخب الشباب لكرة اليد في الحصول على بطاقة التأهل لكأس العالم، وإنهاء البطولة مُحتلا المركز الثامن من بين أربعة عشر منتخبا، مُحقِّقا فوزيْن فقط على الهند واليمن - الحلقتين الأضعف في البطولة- لم يعُد أمام مجلس إدارة اتحاد كرة اليد سوى أن يُفصِح عن حجم العوائد المالية التي تحقَّقت من وراء تلك الاستضافة التي سَخَّرت لها السلطنة كلَّ الإمكانات المتاحة لنجاحها؛ فالدول تتهاتف على استضافة البطولات من أجل هدفيْن لا ثالث لهما؛ إما أن تحقق الهدف الفني المتمثل في التأهل ومعانقة المجد، أو لرغبتها في تحقيق الهدف الاقتصادي الرامي لتعزيز بنود الموازنة العامة بعوائد مالية يعاد تدويرها في الإنفاق على أنشطة الاتحاد ومناشطه.. وإذ فشلنا في الهدف الأول، فنحن في انتظار كشف الحساب المالي عن الهدف الثاني.. وإما تصبح الخسارة مزدوجة!!!

المُعَادلة البسيطة تُشير إلى أنَّ حجم العوائد المالية لابد أن يكون مجزيا، ويمكن استثماره مستقبلا؛ فوزارة الشؤون الرياضية قدمت دعمًا خاصًّا للبطولة بمبلغ ثمانين ألف ريال؛ بهدف ضمان جودة التنظيم من جهة، والمساهمة في مساعدة المنتخب في التواجد بكأس العالم بإسبانيا من جهة أخرى.. أتي ذلك تزامنا مع جهود حكومية أخرى من جهات مختلفة في محافظة ظفار، قدَّمت كل أوجه الدعم -المالي واللوجستي- الرامي لنفس هدف الوزارة، كما تدخَّل القطاع الخاص وأسهم هو الآخر كشريك تجاري داعم للبطولة، وأسهمت القناة الرياضية في نقل الحدث على الهواء مباشرة.. هذه المواقف دللت على أنَّ السلطنة كلها كانت وراء تحقيق الأهداف التي عرضها مجلس الإدارة على الوزارة عند تقدُّمه بطلب الاستضافة؛ لذا فمن غير المنطقي أن يرجع اتحاد اليد إخفاقه إلى الأمور المادية، أو تقاعس مؤسسات الدولة عن مساندته أو تخلي القطاع الخاص عن القيام بدوره الوطني؛ فسبب الإخفاق إداري بامتياز؛ فالإخفاقات الحالية ما هي إلا نتاج سياسات إدارية خاطئة تبنَّتها مجالس الإدارات المتعاقبة لسنوات لإدارة شؤون اللعبة ، وليس من الإنصاف أن يتحمَّل اللاعبون مسؤولية الإخفاق فهم ضحايا؛ فالقصة طويلة وجذورها متشعِّبة، وانتظرت طويلا ليُفتح فصلها الأول غير أنه طال الانتظار، واستمر التغنِّي بكلمات مطَّاطية رمادية؛ مثل: إننا نعد جيلًا واعدًا، والاهتمام بالقاعدة، أو النجاح الخارق للاستضافة؛ فالطابوق الساند للمرمى وأكياس الرمل بجوار القائم في اليوم الثاني لشاهد على النجاح التنظيمي الكبير؛ فمن المسؤول أمام الرأي العام بعدما انفضَّ المولد وطارت الطيور بأرزاقها، وطُوِيت الصفحة بثناء ومديح لا محلَّ له من الإعراب؟!!!

وتعُود الأسباب الحقيقة للخسارة في رأيي إلى قبل أربع سنوات من الآن؛ عندما رفعت دول بعينها راية التحدي، مُنطلقة من قدرات عادية وإمكانات ليست خرافية لمعانقة المجد، ففرض السيطرة على القارة الصفراء. في المقابل، اختفت منتخبات أخرى من خارطة اللعبة تحت وطأة أسباب واهية اخترعها قليلو الحلية لإقناع جماهير كان طموحها الانتصار. فقبل عامين، أُقيمت بطولة آسيا للناشئين في البحرين، ونجحت الدولة الشقيقة بمواردها العادية من تحقيق المركز الأول، وحل اليابان ثانيا، وكوريا ثالثا؛ لتعود المنتخبات الثلاثة بعد تصعيد لاعبيها لفئة الشباب ليفرضوا سيطرتهم مجددا على القارة، لتشهد صلالة حصولَ كوريا على المركز الأول، واليابان في الوصافة والبحرين ثالثا، إنَّها نفس المنتخبات الثلاثة التي فرضت سيطرتها في مرحلة الناشئين، حافظت على تفوقها في مرحلة الشباب، وسيكون لاعبو تلك الفئة المموِّل الضامن لتفوق مستمر لمنتخباتهم الأولى، وإزاء ذلك لم تشارك السلطنة في بطولة آسيا للناشئين في البحرين قبل عامين، فلم يكن هناك منتخب من الأصل، ولم تكن هناك مسابقة محلية لتلك الفئة؛ لأن الفلاسفة اعتقدوا خطأ أنَّ بوسعهم تفوق منتخب عمره التدريبي ثلاثة أشهر، على منتخب عمره التدريبي أربع سنوات، متسلحين في ذلك بعامليْ الأرض والجمهور؛ فكيف لمنتخب لم يكن على خارطة اللعبة أن يحقق نتائج إيجابية على منتخبات يقوم على شؤونها إداريون أكفاء، لا يضعون الإمكانات وضعفها شمَّاعة للإخفاقات؟! لذا؛ فالسبب يبعُد عن صلالة بأربعة اعوام.

وكان لتألُّق البحرين في لعبة كرة اليد، وتفوق مننتخبهم الأول على منتخب مصر في النسخة الأخيرة في كأس العالم، داعيا لي للبحث عن أسباب هذا التفوق؛ فلم أجد سوى اهتمام حقيقي بالقاعدة التي نعرف مُسمَّاها ولا تُدركها أبصارنا؛ فالقاعدة مُقسَّمة لفرق، يبدأ عملها من تحت 12 سنة، ثم فريق تحت 14 سنة، وآخر تحت 16 سنة، ولكل فئة مسابقاتها القوية المتمتعة بعدد مباريات يتفق عددها مع السن ومدى زمني مناسب ، لتصل في النهاية إلى الهدف النوعي والفني والبدني للاعب في مرحلة التكوين، أضف إلى ذلك أن منتخب الشباب الذي شارك في بطولة صلالة يضم 6 لاعبين يُمثلون القوام الأساسي لأنديتهم المشاركة في الدوري الممتاز البحريني، الذي يُشارك به 12 فريقا، وليست دورة بها 5 أندية!!

واصلتُ البحثَ والتحرِّي عن سبب التفوق، باعتبارها دولة شقيقة يُسعدني نجاحها، وربما يُفضي البحث عن نتائج تُسهم في تطوير منتخباتنا، لأغوص في بحر برامج إعداد منتخبات المراحل السِّنية، لأجد أن عددَ الساعات التدريبية التي كوَّنت شخصية الناشئ البحريني تفوق نظيره في المنطقة، ووجدت أيضا محتوى زاخرًا من الإعداد الفني قائمًا على مبدأ تدريبي واضح اسمه التدريب المستمر المتزامن مع رفع درجة الاحتكاك والخبرة الدولية التي يكتسها اللاعب من خلال المباريات الدولية الودية مع منتخبات مماثلة، وليس من خلال مواجهة فرق في الدوري السلوفيني أو البحريني مثلما كان جدول إعداد منتخبنا.

العمل البحريني الصحيح كان وسليته لبلوغ كأس العالم، واستمرار تواجده في المحافل الدولية. أما نحن فسنعود للمربع صفر؛ لنُخْرِج السيناريو المعروف من الأدراج، فربما يتمُّ تسريح المنتخب وإعادة تجمُّعه قبل البطولة القادمة بشهرين أو ثلاثة على الأكثر، مع مسابقات محلية شكلية لا يُمكن لمخرجاتها تحقيق الفارق مع استمرار سحابة دخانية اسمها ضعف الإمكانات.

وربما الدليل على سياسة العمل بالقطعة واضحا في تسريح المنتخب الاول بعد العودة من كوريا، ورفض المشاركة في الأسياد.

ويبقى الجانب المالي محورًا أخيرًا في هذا الملف؛ فالتقديرات المبدئية لموازنة البطولة تتراوح بين 150 و160 ألف ريال عماني، ومن الطبيعي أن يكون صافي الربح كبيرا ومجزيا؛ لأنَّ كل منتخب تحمَّل نفاقته على حساب اتحاده الوطني، دون أن تكون هناك أعباء على اللجنة المنظِّمة سوى بنود قليلة ابرزها مصروف الجيب للاعبي منتخبنا الوطني، اذ يحصل كل لاعب على ثلاث ريالات يوميا الامر الذي يبدو مرهقا للموازنة التي تزخر ببند المكافآت المجزية للإداريين!

؛ أما التحكيم على سبيل المثال فبند غير مُكلِّف، فأجر الحكم في المباراة 100 دولار -38 ريالا عمانيا- عطفا على توفير الصالة بالمجان، وقيام بلدية ظفار والديوان بتقديم مساعدات مقدرة في النقل وخلافه؛ لذا بات على المجلس توضيح حجم الأرباح، وقوائم المكافآت التي لا تعرف التقشف، والكشف عن سُبل إدارة تلك الأموال؛ بما يضمن ديمومة عمل المنتخبات المختلفة وربما يحتاج البعض لدواء الأسبرين لعلاج صداع مؤقت ناتج عن مثل هذه السطور، دون النظر لمحتواها.