الهدوء الساحر.. عبدالله المطاعني أنموذجًا

 

 

أحمد بن سيف الهنائي

 

عادةً، يكون تَخيّل سحابة بيضاء مثقلة بالهموم، أمراً حميدا، إذ ترتفع الدعوات بأن تتخلص السحب من همومها، فتسّاقَط أمطاراً تجري على الأرض والأفئدة معاً.. هكذا هو حالنا مع الخيال في صيف مسقط القائظ، خيالٌ يجعل نقيضه واقعاً معاشا من حر الهجيرة وهيجان الشمس الغاضبة من السادسة صباحا وحتى السابعة مساءً، وهي ترسل سعير أشعتها بلا هوادة.

ووسط هذه الحرارة المشتعلة، تُسَرُّ عندما تسمع أخبارًا مدهشة، تعينك على مجابهة تقلبات الحياة ومعكّرات الصفو الاجتماعي العام كما تتلذذ قنوات الأخبار في صفع إنسانيتنا به كل يوم.

 

وفي الحقيقة جميعنا نسعد بسماع أخبار نجاحات أبناء الوطن، خصوصا في مجال التعليم العالي، الذي نُعوّل كثيرا على مخرجاته في الدفع بالوطن وخدمة البشرية نحو الأمام؛ وما يبهجني أكثر أن تلتقي مراتٍ عدة بأحد هؤلاء المبدعين في مناسباتٍ مختلفة في طفولته، ولا يخامرك أيَّ تصوّر عن مستقبله لالتزامه الصمت الكامل في كل جلسة أو زيارة.

 

هذا الأمر تكرر مع الطالب العماني عبدالله المطاعني الذي كلما حدثني والده عن حدة ذكائه طيلة السنوات القليلة الماضية، كنتُ أشعر أنّه حديث الوالد المعجب بابنه الأوسط، إذ لا يخلو من عاطفة وتشوّق لتحقيق الأمنيات، واليوم تكرّمه جامعة مانشستر كطالب متميز، ويحقق مشروعه للتخرج جائزة الأفضل من بين مشاريع التخرج الجادة، كتأكيد لا يخامره شك -هذه المرة- في أنّ أبيه كان واقعياً أكثر من كونه حالماً.

 

على المستوى الشخصي، تجذبني الشخصية الهادئة، التي لا تندمج كثيرا مع ضوضاء المدنيّة الحديثة المزعجة، ولا تحفل بتقديم نفسها في كل مجلسٍ أو محفل، كان عبدالله هكذا في كل مرة، لا تميزه عن إخوانه، بل لا يكاد تسمع له صوتاً، يتماهى مع عالمه الخاص، في عزلة لذيذة، مع التأمل وسرج خيول الخيال الجامح للجمال والإبداع، وبشهادة أهله ورفقائه أنّه لا يتقن الحديث، لكنه يفاجئ الجميع بابتكاراته وحلوله العلمية للكثير من الأشياء المعقدة.

ما يميزه عن بقية أقرانه أنه يميل للعمل اليدوي، ومحاولة تفكيك كل ما يحتاج إلى تدخّلٍ فني، فهو يمثل الشخصية العاملة التي نفتقدها في عالم الأنا الصوتية المتبجحة بفهم كل شيء، وإتقان كل شيء.

المثير في هذه الشخصية الوادعة، أنّها تهرب من المباهاة والتفاخر، ويكره - بالمعنى الحرفي- الحديث عن نفسه وإنجازاته، هذا يبدو محالاً في قاموسه الشخصي، وهو ما يمثل نموذجا جيداً للهاربين من أضواء تمجيد الذات، الذي يتقنه الكثير من المسؤولين والساسة في عالمنا العربي، وبعض ممن نسميهم "بأهل الخبرة" الذين لا ينفكون عن الحديث عن منجزاتهم وتجاربهم العظيمة في كل سانحة.

نحتاج صدقا إلى إبراز هذه النماذج الرائعة في هذا البلد، خصوصا فئة الشباب، الذين ما فتئوا يبدعون ويطورون ويلوّحون لصنّاع القرار براياتهم الخلّاقة على أمل تمكينهم للقيام بواجبهم تجاه أوطانهم وأنفسهم وتسخير طاقاتهم لمواكبة العالم المتسارع في التطوّر التكنولوجي الهائل.

أمثال عبدالله من المبدعين كُثر بيننا، فقط يحتاجون منحهم الفرصة الجادة لقول كلمتهم على أرض الواقع، عملا تراه العين، لا مجرد أحاديث إن صدّقتها الآذان، كذبها الواقع المعاش.. هنيئا لعبدالله تفوقه في مجال الهندسة، وعليه مواصلة الطريق؛ وهذه المرة عبر دراسة الماجستير من خلال المنحة المقدمة له من جامعة كامبرديج، والتي عادة ما تمنحها للمتفوقين، وعبدالله أحدهم.