المستثمر لا ينتظر

 

خلفان الطوقي

المستثمر في التجارة سواء كان فردًا أو مؤسسة عندما يأتي إلى عُمان فإنِّه يهدف إلى هدف أساسي وواقعي وهو الفائدة المادية وذلك حق مشروع، ويحقق أهدافاً أخرى هي التوسع في تجارته أو وضع أمواله وأهله في البيئة التي يراها مُناسبة كالأمان والاستقرار واستمرار التنمية، وتنويع تجارته لكي لا تصبح في سلة واحدة أو قطاع واحد أو دولة واحدة، ويستطيع أن يسيلها وقتما شاء وكيفما شاء ونقلها إلى بلده الأم أو أي بلد آخر، ويكون الاستثمار الخارجي بصور مختلفة أما مباشرة أو غير مباشرة أو بشكل مستقل أو بالتشارك ماديًا أو فنياً حسب الأنظمة المعمول بها في البلاد نقدا أو من خلال الاقتراض الداخلي أو الخارجي، وينطبق ذلك أيضًا على العماني أو المؤسسة العمانية إذا قرر الاستثمار خارج بلده.

المستثمر قبل أن يأتي إلى أي بلد خاصة في الحالات الاختيارية تكون له دراية كاملة عن الوضع الاقتصادي والسياسي والقانوني والبنية التحتية وكافة الإحصائيات التي جعلته يختار هذه الوجهة الاستثمارية أو تلك، ويقوم بمرحلة الاختيار بعد أن ينجز دراسته كاملة، لكي يبدأ بعدها تنفيذ مشروعه التجاري حسب الخطة الزمنية التي وضعها، وهنا الحديث عن المستثمر الجاد والذي يستحق أن يطلق عليه مسمى "مستثمر" سواء على المستوى الفردي أو المؤسسي.

 

يتفق الجميع على أن الاستثمار الخارجي المباشر يجلب الكثير من المنافع مثل تدفق رؤوس الأموال خاصة العملة الصعبة من الخارج والخبرة الفنية وتحريك عجلة الاقتصاد وتوظيف المواطنين وتنويع المنتجات وخلق المنافسة لصالح المستهلك المحلي والمقيم، وتحسين المستوى المعيشي للمجتمع، وحصول الحكومة على الضرائب مما ينعكس على خزينة الدولة وعوائدها.

ولأننا نتحدَّث هنا عن عُمان، فبعد ٤٨ عاماً كان لابد من تقييم الوضع من خلال مؤشرات مهنية، ولتحديد هذه المؤشرات يمكننا أن نطرح عدداً من الأسئلة؛ أهمها: من الذي يستحق أن يطلق عليه مسمى مستثمر؟ وما نوع استثماراتهم؟ وما هي القطاعات التي يستثمرون فيها؟ وهل استطعنا الاحتفاظ بهم؟ ومن منهم مستمر؟ ومن منهم لم يستمر؟ ولماذا لم يستمر في حال أنه أغلق تجارته وانتقل إلى مكان آخر؟ وهل قمنا بحصر قصص النجاح لهم؟ ورصد ما هي الصعوبات والتحديات التي واجهوها أثناء إجراءات نيتهم للاستثمار في عمان؟ أو التحديات التي يواجهونها حاليًا؟ وما هي مخاوفهم في المستقبل؟ وهل لدينا جهاز حكومي أو جهة أو جمعية أهلية يلجأون إليها في حال أرادوا توصيل هواجسهم أو رسالتهم أو الآفاق والطموحات التي يتمنون أن يروها من تطورات وتشريعات عصرية في الواقع ورفعها للحكومة؟

 

حان الوقت بعد ٤٨ عامًا من النهضة الحديثة أن نقيم ملف الاستثمار المباشر بكل شفافية ومصداقية بالإجابة الصريحة على كل التساؤلات الموضحة أعلاه وأدناه، وهل ما تم إنجازه يتوافق مع طموحاتنا، وهل النسبة المحققة سنويًا جيدة؟ وهل تكاملت مؤسسات الدولة لأجل جذب مزيدٍ من الاستثمارات الخارجية؟ على العموم حان الوقت لأن نعترف بأنَّ المستثمر الفردي أو المؤسسات الاستثمارية ليس لديها وقت طويل تضيعه في البيروقراطية أو المماطلة بحجج واهية، وعلينا أن نعي أن هناك منافسة شرسة من الدول المُحيطة لجذبهم إليها، وهناك فرق تفاوضية تسعى لاستقطاب المستثمر، وهناك فرق عمل تجدد تشريعاتها وأنظمتها بعد مقارنتها بغيرها لتفوز وتمتلك قلوب وعقول هؤلاء المستثمرين، فإن كنَّا نعتقد أننا عملنا ما يلزم لجذبهم، فهناك من المحيطين بنا يعمل ليلا ونهارا للاحتفاظ بهم وإغرائهم للبقاء وجذب غيرهم بباقات من التسهيلات والإغراءات المبتكرة لهم ولعائلاتهم، ولنا الخيار إما المنافسة لجذبهم بشكل تنافسي حقيقي أو ترك الساحة والاكتفاء بترديد الشعارات التي تريحنا وتزيل عنَّا شعور الذنب والتقصير.