التاريخ الجديد

المعتصم البوسعيدي 

لم يمر صيف ملتهب منذُ زمن مثل صيف هذا العام؛ حيث يبدو ثمة تاريخ مُختلف سيُكتب في عالمِ كرةِ القدم على أكثرِ من صعيد؛ فروسيا غيرت ملامح أبطال العالم وإن كان البطل الأول ليس بالجديد، وإيطاليا غابت عن المونديال لكنها حضرت في سوقِ الانتقالات بعد صفقة مدوية يبدو أنها ستنعش روح "السيدة العجوز" وزمان الوصل لدوري كان الأفضل على الإطلاق.

انتهى العرس الكروي الكبير في روسيا، حاملاً خيبات منتخبات الصف الأول؛ فألمانيا جرت أذيال الخسارة من الأدوار الأولى وسقطت ورقة "أوزيل" على أنغام تمييز بغيض، وطفق "ميسي" ورفاقه يخصفون أيديهم على "خفي حنين"، وتكسرت أجنحة "سيدة اللعبة الأولى" البرازيل في سماء البلجيك، ووقفت ثورة الأسبان عند حصون الروس، فيما ظهر "الكروات" مع رئيستهم أبطالا غير متوجين، ومع نهاية المونديال فمن المتوقع أيضاً أن تنتهي الهيمنة على جائزة أفضل لاعب بين "الدون البرتغالي والبرغوث الأرجنتيني"، وربما هذا فصل من التاريخ الجديد.

إن التاريخ الجديد الذي نتوقعه قد يستثني العرب، فلا يشملهم جلبابه الفضفاض؛ فهم منشغلون بخلافاتهم وتعميق شتاتهم والنيل من إنجازات بعضهم البعض، تائهون لا يريدون الخلاص من هذا التيه، والخلق من حولهم يتسارعون لمواكبة الركب، بل ولتخطيه؛ فاليابان -على سبيل المثال- تخطط للفوز بكأس العالم لا الفوز بمباراة واحدة تستدعي إقامة الأفراح، والتشفي من -وجهة نظر أُحادية- بأعداء النجاح، والويل والوعيد والصياح.

وفي عالم الكرة المستديرة لا حديث الآن يعلو على حديث "الكالتشيو"، وعودة الروح بتاريخ جديد لنبض كرة القدم القديم، كل ذلك بفعل صفقة واحدة!! لكنها ليست ككل الصفقات، وبعيداً عن مفاجأة مغادرة البيت الملكي في مدريد، وعمَّا تم طرحه من أرقام مالية وانتعاش اقتصادي، يجب الالتفات إلى الفكر العميق الذي يحمله كريستيانو رونالدو من خلال تصريحاته اللا عاطفية، والتي -في اعتقادي- يجب أن تُدرس للاعبين خاصة من الأجيال الناشئة، فهناك مغامرة محسوبة بهدف واضح وإدراك ووعي كبير؛ وبالتالي معرفة الطريق الذي لن يخلو من تحديات بكل تأكيد، ومسألة الانتماء والولاء يجب ان تُعاد صياغة تعريفهما على نحو ما قاله لي "وهاب" السائح العراقي المغترب في الولايات المتحدة الأمريكية، والذي التقيت به على ضفاف بحيرة صبنجة التركية، وفاض بوحه الحزين: "تعريف الوطن يا عزيزي يجب أن يُعرف بالذي يكفل إنسانيتي وكرامتي ولا يحاسبني على فكري ومعتقداتي طالما لا ضرر ولا ضِرار"، هذا والحديث ليس عن انتماءٍ رياضي فكيف نحمل الأشياء أكبر مما تحتمل، ونتعارك عليها بشراسة ونحن "لا ناقة لنا فيها ولا جمل".

وفي الشأن المحلي، حاولت إسقاط الحديث على رؤية بوادر تاريخ جديد قد تسطره الأحداث الكروية الجارية، فلم أجد مع تضييق الخناق إلا على بطولة دولية تقام في محافظة ظفار الجميلة، بطولة رباعية تشارك بها أندية عربية مع نادي النصر العماني، تُعطي بصيصا من الأمل لنظرة حقيقية لاستثمار الرياضة ومقومات السياحة بالسلطنة، فهل نحتاج بالفعل للفت انتباه المسؤولين إلى ذلك؟! الأمر في غاية البساطة والوضوح إلا على من أغلق سمعه ونظره وكان من الغافلين!