المرأة البحرينية الحاضر/ الغائب في العملية الانتخابية

 

عبيدلي العبيدلي

 

لم يعلن بعد عن الانطلاقة الرسمية لانتخابات 2018 النيابية، لكن استعدادات المترشحين بدأت تطفو على سطح المشهد السياسي البحريني. فقد سارعت بعض الشخصيات للإفصاح عن رغبتها في الترشّح، وبدأت أيضًا بعض التلميحات التي تشير نحو عدد من الشخصيات المؤهلة، من وجهة نظر من يطرحون أسماءها، تطالبها بالترشح. ومن المتوقع أن تجد هذه المناشدات صداها الإيجابي المرجو من وراء المجاهرة بها.

الملاحظة التي تستوقف المراقب لتلك الاستعدادات هو "هشاشة" الحضور النسائي البحريني في تلك المعمعة، سواء من حيث الكم، حيث لا تزال النسبة النسائية متدنية نسبيا، عندما نقارن الكفاءات النسائية البحرينية، بنظيراتها الذكورية، أو الكيف، دون التقليل من مكانة من أبدين رغبتهن في الترشّح، حيث ما تزال الساحة في انتظار المزيد من ذلك الكم، والكثير من ذلك النوع. وقبل تناول الأسباب التي تقف بقوة وراء هذا الانخفاض الملحوظ في نسبة مشاركة المرأة البحرينية، تبرز ضرورة التوقف عند مجموعة من الحقائق والمسلمات ذات العلاقة بواقع المرأة البحرينية السياسي، انطلاقا من كون عمليتي الترشيح والانتخابات في جوهرهما عمليتين سياسيتين. ويمكن تلخيص تلك الحقائق والأسباب في النقاط التالية:

 

  • أن الحضور النسائي السياسي البحريني مميز وجذوره قديمة في صفوف الحركة السياسية البحرينية، لعل أكثرها حداثة ما قامت به المرأة البحرينية في نشاطات حركة 1956 ضد الاستعمار البريطاني التي قادتها هيئة الاتحاد الوطني. فبالإضافة إلى الأسماء البارزة التي كانت من بين الصفوف القيادية مثل شهلة وبدرية خلفان، كانت للنسوة البحرينيات أدوار خلفية لا ينبغي الاستهانة بها، ومن الخطأ الجسيم تجاوزها. ولم تكن تلك المشاركات سوى البدايات التي ظلت مستمرة ومتتابعة خلال الانفجارات السياسية اللاحقة، وأبرزها انتفاضة مارس 1965 المجيدة.

 

  • سوية، وبشكل مواز للعمل السياسي، زاولت المرأة البحرينية دورا مميزا في الحركة المجتمعية من خلال نشاطها الملحوظ، والمتواصل في الجمعيّات النسائية التي شكلت باقة متنوعة من الأنشطة مارست دورا فعالا في رفد العمل السياسي، والارتقاء بأدائه، حتى تحوّلت إلى مخزون بشري، وتنظيمي في آن، يمد الحركة السياسية بما تحتاجه من كوادر كفوءة، وعناصر شبابية رائدة. وحققت الحركة النسائية المجتمعية حضورًا ملحوظا في مواجهة مشاريع التقسيم المجتمعي التي فشلت محاولتها في تشظية المجتمع البحريني، ولم تحقق أي نجاح يذكر سوى في مراحل تراجع عمل المنظمات المجتمعية النسائية البحرينية.

 

  • تمكنت منظمات المجتمع البحريني، وفي مقدمتها النسائية منها أن تشكل حضورا معوضا، وليس بديلا للحركة السياسية البحرينية في محطات تقهقر هذه الأخيرة، وفي مراحل الضربات التي كانت تتلقاها. ونجح ذلك الحضور في مد الحركة السياسية بالطاقات التي تحتاجها، كي تنهض من كبوتها، وتعيد تنظيم صفوفها، كي تنطلق مرة أخرى، بعد استعادة حيويتها التي فقدت نسبة عالية منها في المنعطفات الحادة التي عرفتها مسيرتها النضالية.

 

  • زاوجت القيادات النسائية، وإن لم يتم ذلك بشكل نموذجي، بين مسؤولياتها التنظيمية المجتمعية، والتزاماتها السياسية الفكرية، ونجحت في مراحل متقطعة، لم يكتب لها الاستمرار بين الإثنين. هذه المزاوجة حققت الاستمرارية للعمل المجتمعي من جانب، وحافظت التواصل للمنظمات السياسية من جانب آخر. وينبغي الاعتراف هنا بأن تحقيق التوازن لحل هذه المعادلة المعقدة بين العمل المجتمعي، والالتزام السياسي، شابته بعض الأخطاء، وتعرض لشيء من الالتواءات لا تتحمل المرأة البحرينية مسؤوليتها منفردة.

 

 

في ضوء هذه الحقائق نعود إلى الأسباب التي تعود إلى تدني نسبة مشاركة المرأة البحرينية في المجلس الوطني، وعلى وجه الخصوص في صفوف أعضاء غرفته المنتخبة، وهي البرلمان.

أول تلك الأسباب هي سيطرة السلوك الذكوري على عقلية نسبة عالية، كي لا نعمم، من قيادات الجمعيات السياسية التي شاركت في الدورات السابقة، فقد خلت قوائم نسبة عالية من تلك الجمعيات من أسماء نسائية، والبعض منها كانت المشاركة النسائية فيها باهتة، وشكلية، ولم ترق إلى المستوى الذي تستحقه المرأة، سواء بفضل كفاءتها المهنية، أو مستوى عطاءاتها التي لا تتردد في تقديمها. وعليه، تتحمل الجمعيات السياسية المسؤولية الأولى وراء الغياب النسبي للمرأة من على مقاعد البرلمان البحريني.

ثاني تلك الأسباب يكمن في الخلفية الذكورية التي تختزنها ذاكرة الناخب البحريني، وتوجه قراره عند الإدلاء بصوته، فرغم التقدم الذي عرفه المجتمع البحريني، لكنّه لم ينجح في إزالة البقع الثقافية السوداء التي تشوه ذهن ذلك الناخب، وتدفعه نحو التصويت للمرشح الذكر، لا لشيء سوى نوعه الاجتماعي (جندر)، الذي تفشل في إخفاء صورته البشعة، كل ألوان التجميل التي يصقل بها المرشح سلوكه الخارجي، والتي لا تعدو كونها قشرة رقيقة غير ملتصقة بجلده.

ثالث تلك الأسباب تكمن في المرأة ذاتها، فحتى يومنا هذا، ونحن مقبلين على انتخابات 2018، لم تنجح المرأة البحرينية في تشكيل حاضنة انتخابية نسائية، ولا عيب في الانحياز هنا، طالما يصر الرجل على التخندق في موقفه المنحاز، ويرفض التزحزح عنه قيد أنملة. فالمطلوب بروز حركة نسائية، حتى وإن كانت متشددة في مراحلها الأولى، تأخذ على عاتقها مهمة مركزية واحدة تقوم على المساواة الحقيقية، وليس الشكلية بين المرأة البحرينية، ونظيرها الرجل.  قد تبدو هذه الدعوة متطرفة بعض الشيء، لكنا في أمس الحاجة إليها، وإن كان ذلك بشكل مؤقت، ولفترة محددة من الزمن.

عليه، وفي المجمل تبقى المرأة البحرينية مهضومة الحقوق، ووهي في حقيقتها الحاضر الغائب في العملية الانتخابية، فحضورها، مهما تباهى البعض به، يبقى شكليا، ومحدودا في نطاق ضيق. وربما آن الأوان كي نجد من يتقدم الصفوف كي يحول هذا الحضور المتعثر، إلى مقاسمة حقيقية تعيد للمرأة البحرينية نسبتها البرلمانية التي تستحقها، وتضعها في المواقع البرلمانية التي تليق بها وبجدارتها.