23 يوليو.. بناءُ المجد وصناعة التاريخ

 

حاتم الطائي

 

القيادة الحكيمة صنعت النهضة المباركة وحققت المنجزات والمكتسبات على مدى 48 عاما

جلالة السلطان المعظم يحرص على توفير العيش الكريم لأبناء هذا الوطن الغالي

لا شك أن ما تحقق من رخاء وتنمية ينعم بها الجميع، وتشيد بها المؤسسات الدولية، يُلزم أبناء الوطن بالحفاظ عليه وصونه، وحمايته من التحديات

تحولت بلادنا إلى واحة للسلام يقصدها سعاة الاستقرار والأمن، وقبلة للآمنين تستقبل الباحثين عن الحق والعدالة والمساواة

 

 

 

48 عامًا من مسيرة النهضة المباركة، لم تعد مجرد حدثٍ نحتفل به، أو ذكرى عزيزة على قلوبنا نتذكرها ونُقارنها باللحظة الآنية؛ بل باتت اليوم تاريخًا صنعته الأحداث الكبرى والتحولات الجذرية التي رسمت معالم هذا الوطن الغالي في كل أركانه وصبغته بالحداثة والرقي والتطور... سنواتٌ ممتدة عبر الزمن شكلت نهضة حديثة قوامها الإنسان المتسلح بالعلم والمعارف، ومؤسسات شامخة قائمة دستوريًا على النظام الأساسي للدولة، ومنظومة من القوانين الحافظة لمكتسبات نهضتنا المباركة..

ولكون النهضة المباركة تاريخًا مسطرًا تحفظه أمهات الكتب والمراجع، وجب علينا التمعن بدقة فيما وصلنا إليه من رخاء واستقرار، وتنمية ومعدلات نمو مرتفعة، وأمن وأمان، ومكانة دولية يصل مداها إلى قارات العالم أجمع، فأينما يحل العُماني أو يرتحل يشار إليه بالبنان: "ها هم أبناء قابوس"، وهي عبارة تعني الكثير وتختصر العديد من الصفات والمميزات؛ بدءًا من الكرم وبشاشة الوجه، مرورًا بالأخلاق الحميدة، وانتهاءً بالتسامح والاعتدال في القول والفعل. ومثل هذه الصفات هي ثمرة يانعة من ثمار الفكر النهضوي الذي صاغته الرؤية السامية على مدى ما يقارب الخمسة عقود؛ فتأسيس الشخصية العمانية في صورتها الحديثة، تحقق بفضل ما بذلته القيادة الحكيمة لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم- حفظه الله وأمد في عمره- من جهود مضنية في تطوير منظومة التعليم والثقافة، من مدرستين فقط إلى ما يربو على الألف ومئة مدرسة، فضلاً عن أكثر من 56 ألف معلم ومعلمة، مع نظام تعليم جامعي يضم بين جنباته العديد من الجامعات والكليات ويدرس فيها الآلاف من أبنائنا.

***

هذه المنظومة المتكاملة أسهمت في بناء الشخصية العمانية المدركة لواقعها المحيط بفضل ما تملكه من معارف في شتى صنوف العلم.. ولا يفوتني أن أؤكد أن نجاح هذه المنظومة، يستند في أساسه وصلبه إلى منظومة قيمية أخرى، وهي منظومة الأخلاق العمانية، التي تُميزُنا نحن- كعُمانيين- عن أي شعب آخر، فطبيعتنا المنفتحة على بحار العالم وقوتنا المستمدة من شموخ جبالنا الشاهقة، امتزجت وأنتجت ما نحن عليه الآن. ولا شك أن هذه الشخصية المتفردة سارت والتزمت بالنهج السامي لجلالة عاهل البلاد المفدى، فكانت على العهد بما خطته الرؤية السامية من توجيهات رسمت طرق النجاح في كل قطاعات العمل والإنتاج.

وعندما نقول إن النهضة المباركة تاريخ، فهذا يستدعي على الفور التأكيد بأنها هذا التاريخ صَنعَ الحضارة العمانية الحديثة، وهذه الحضارة مختلفة عن الحضارة العمانية التي بناها أجدادنا العظام على مر التاريخ الإنساني؛ إذ إنَّ حضارتنا التي نتحدث عنها هنا هي حضارة تواكب متغيرات العصر، وتأخذ بأسباب التقدم والتنمية.. حضارة نقول عنها إنها تحققت بفضل منجزات النهضة المباركة، وأنها- أي الحضارة- ستكون الأساس لأبنائنا وأحفادنا في المستقبل لكي ينطلقوا منها نحو آفاق أرحب مما نراه الآن.. فكما أن ابن الهيثم أسهم في تطور علوم الفلك والبصريات والرياضيات، فإن حضارتنا الحالية القائمة على منجزات النهضة المباركة، سيكون لها الدور الرئيس في تقدم ورقي العلوم على أيدي أحفادنا.

وهنا أضع بين أيديكم اقتباسا من النطق السامي في العيد الوطني الثالث عشر، عندما قال جلالته أيده الله:

"ودوركم الآن أيها الشباب هو إعداد أنفسكم تعليما وتثقيفا وسلوكا واسترشادا لتحمل مسؤوليات المستقبل. وليس ذلك بالسهل، فإن عليكم لزاما أولا المحافظة على المكتسبات والإنجازات التي تحققت بنضال آبائكم من قبل. ثم العمل على أن تزيدوا ما استطعتم من خير ونماء من أجل المصلحة العامة جاعلين نصب أعينكم أن الخير والرقي والاطمئنان لا يمكن تحقيقها إلا بالجهد والجد".

وينبغي أن أشير هنا إلى أن الحضارة التي أعنيها لا تنحصر فقط في المفهوم التقليدي المتمثل في الجوانب المادية الملموسة، بل أيضًا تشتمل على الجوانب غير المادية.. فإسهامات أبنائنا حاليًا في العلوم النظرية والفلسفات جلية وبارزة، وابتكارات شبابنا حاضرة بقوة في مختلف المحافل العلمية محليًا ودوليًا. وأضرب مثالًا بما يثلج صدورنا في جائزة الرؤية لمبادرات الشباب؛ إذ نتلقى المئات من المشاركات التي تتنافس في مشاريع الروبوت وإنترنت الأشياء، وغيرها من الابتكارات التكنولوجية، ما يؤكد أننا نقطف الآن ثمار النهضة التعليمية الكبرى.

***

إنَّ ما تحقق من منجزات، ترجمة صادقة لفكر القيادة الحكيمة في أن ينتقل هذا الوطن من ظلام الجهل إلى نور المعرفة والعلم، وأن يحوّل تأخره عن الركب الحضاري إلى تقدم وتنافس مع أكبر الدول في العالم، وأن يكون وطناً للجميع، ودولة صديقة لمختلف بلدان العالم، تمضي على نهج التقدم والإنجاز بسواعد أبنائها البررة، وبقوة إرادتهم التي لا تلين، ليسيروا نحو المستقبل بكل جدارة وثقة.

ولقد عملت القيادة الحكيمة على توفير العيش الكريم والرفاهية لأبناء هذا الوطن الغالي؛ بل بات يستفيد منه كل من يحيا على ترابه النفيس، فمؤسسات الدولة كلها تتنافس على تقديم أفضل الخدمات، وتستعين بأنجع الوسائل وأكثرها قدرة على إنجاز المعاملات في أسرع وقت ممكن، فتكلل ذلك بنجاح استراتيجية عمان الرقمية، ونظام "استثمر بسهولة" وغيرها الكثير من الخدمات التي لا تزال تتقدم وتحقق العديد من الإنجازات.

ولكي ندرك حقيقة التاريخ الذي صنعته الإرادة السامية والإدارة الرشيدة لمقدرات الدولة، علينا أن نبرز منجزاتنا، ليس من باب المقارنة بما مضى، لكن من جهة التأكيد على ضرورة الحفاظ على المنجز الوطني المقدس، فلا شك أنَّ ما تحقق من رخاء وتنمية ينعم بها الجميع، وتشيد بها المؤسسات الدولية، يُلزم أبناء الوطن بالحفاظ عليه وصونه، وحمايته مما قد يحيط به من تحديات عدة.

***

التنمية إذن كانت ركنا أصيلاً في منظومة القيادة القابوسية لهذا الوطن العزيز، وكانت جهود التنمية الجبارة التي تحققت عبر سنوات النهضة- ولا تزال تتحقق- مثار إعجاب وثناء الجميع.. وبالتوازي مع جهود التنمية الداخلية، تشكلت السياسة العمانية الخارجية، ووضعت لها الأسس والثوابت الراسخة التي تقوم على مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وتعزيز العلاقات مع الدول الشقيقة والصديقة...

وقد أكد جلالة السلطان المعظم- حفظه الله- على ذلك عندما قال:

"... لقد اعتمدنا دائما في سياستنا الخارجية ثوابت أساسية ومبادئ رئيسية تتمثل في حسن الجوار وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للغير واحترام القوانين والأعراف الدولية ودعم التعاون بين الدول وتعزيز فرص الحوار فيما بينها تعبيرا عن قناعتنا بأن حل الخلافات بروح الوفاق والتفاهم إنما هو سلوك حضاري يؤدي إلى نتائج أفضل وأدوم".

وهذه السياسة الخارجية الحكيمة هي التي دفعت العالم من حولنا للوثوق في الرؤية العمانية الثاقبة، التي تقيِّم المواقف على أسس منهجية وضوابط أصيلة، وبفضل هذه السياسة المُتميزة، تحولت بلادنا إلى واحة للسلام يقصدها سعاة الاستقرار والأمن، وقبلة للآمنين تستقبل الباحثين عن الحق والعدالة والمساواة. إننا نفخر كل لحظة بأن "عُمان قابوس" لم تتورط يومًا في حرب أو تنخرط في معارك وهمية وصراعات بالوكالة لا تريد سوى صرف الأنظار عن خطط التنمية وتعزيز الاستقرار، دولة تنتهج الحياد وتلتزم بالمواثيق الدولية، ومنفتحة في علاقاتها مع الشرق والغرب، فأينما نولي وُجُوهنا نجد الحضور العماني، مميزا ومتألقا يحظى بالحفاوة والترحيب حيثما كان، فتحققت المكانة المرموقة للعماني بين دول العالم أجمع.

إنَّ القناعة العمانية بأنَّ حل الخلافات يتم عبر إفشاء روح الوفاق والتفاهم، ساعدت على تجنيب المنطقة ويلات الحرب والدمار، فكان الدور العماني مشهود له بأن نزع فتيل الأزمات في كثير من المواقف، وعملت الدبلوماسية العمانية على تعزيز قيم السلام والتفاهم والتسامح بين مختلف الأقطار، ما أسهم في إشاعة الاستقرار ونشر بساط الأمن في بقاعٍ عدة من العالم.

إننا إذن أمام تاريخ حقيقي صنعته القيادة الحكيمة، وسار على نهجها المواطن العماني في كل زمان ومكان، فحريٌ بنا أن نواصل دفع هذا الركب الحضاري نحو مزيد من التقدم والرخاء والاستقرار، وأن نعمل جاهدين على أن نكون عند حسن ظن القيادة الحكيمة بنا، والتي وثقت في قدرتنا على التميز والانطلاق بقوة نحو النجاح.. إن احتفالنا بالثالث والعشرين من يوليو المجيد، ومرور ثمانية وأربعين عامًا على بزوغ فجر النهضة المباركة، مناسبة وطنية عظيمة، نرفع فيها أسمى آيات التهاني والتبريكات لجلالة السلطان المعظم- أبقاه الله وأمد في عمره- ونتذكر من خلالها ما حققناه من منجزات، لنبني عليها ما نصبو إليه من تطلعات في شتى الميادين، بعزم لا يعرف الكلل وبيقين لا يُخالطه شك بأننا قادرون على مواصلة كتابة هذا التاريخ بحروف من ذهب، تساعدنا على تجاوز تحديات الحاضر، وتضيء لنا المستقبل.