إعادة صياغة الرسالة الإعلامية

 

سيف بن سالم المعمري

كان الإعلام ولا يزال أحد أهم الأدوات المؤثرة في القضايا المختلفة على المستويين المجتمعي أو المؤسسي، وتضاعفت مسؤوليات المؤسسات الإعلامية في جميع الدول مع التطور المتسارع الذي شهدته وسائل التواصل والاتصال والتي اختصرت المسافات الزمانية والمكانية، بل وألغت كل الحواجز والقيود المهنية التي كانت عائقا للوصول إلى تفاصيل أدق عن كل ما يحدث في القريب والبعيد.

والرسالة الإعلامية سلاح ذو حدين، فإما أن تكون معينا ومعززا للجهود الوطنية للبناء والتنمية المستدامة، وإمّا أن تكون منسلخة من كل المثل المهنية النبيلة، وداعية لزعزعة الأمن والاستقرار، وما تشهده الكثير من بلدان المنطقة خير دليل على ذلك، ونحمد الله ونشكره أنّ إعلامنا حمل على عاتقه رسالة وطنية مسؤولة جاءت كترجمة عملية لمبادئ النهضة الحضارية الشاملة التي رسخت مفهوم الوحدة والانتماء والتعايش والانسجام واحترام الآخر، والنأي بالنفس عن التدخل في شؤون الآخرين.

إنني على قناعة تامة بأنّ إعلامنا العُماني أنجز رسالته المهنية السامية النبيلة خلال العقود الماضية، فقد أسهم في ترسيخ القيم الحميدة في التسامح والوئام والانسجام والتعاضد والموروث الحضاري، وجاء متناغما مع مسيرة البناء والتنمية الشاملة التي شهدتها البلاد منذ اليوم الأول لميلاد النهضة المباركة في الثالث والعشرين من يوليو 1970م، واستطاع بجهوده الجبارة أن يبرز الصورة الحضارية للسلطنة والتطوّر المتسارع الذي شهدته، غير أنّ المرحلة الحالية تتطلب جهودًا أكبر من المؤسسات الإعلامية الحكومية والخاصة، وإبراز ما تحقق من منجزات هو بلا شك أحد أبرز المسؤوليات الجسيمة التي تقوم بها المؤسسات الإعلامية الوطنية، لكن حاجتنا أكبر لأنّ نُسلط الأضواء على ما يجب أن يتحقق في بلادنا، وأن نعيد صياغة الرسالة الإعلامية بما يتناسب والمرحلة الراهنة والتحديات الاجتماعية والاقتصادية التي نعيشها، وألا نغض الطرف عن كل السلبيات والقصور الذي قد يظهر من هنا وهناك.

فكثيرة هي القضايا التي لا زال إعلامنا بعيدا عنها، وإن تطرق إلى بعضها باستحياء، وللأسف تغض الجهة المسؤولة الطرف عنها، ونحن لا نحمل الإعلام مسؤولية معالجة قضايانا، لكن نحمله مسؤولية إبرازها في كل ما من شأنه الرقي بالمجتمع ومؤسساته، كما إننا نحمل الجهات الرقابية مسؤولية متابعة ما يطرحه الإعلام ومتابعته مع الجهات المعنية والعمل بشفافية لمستوى التقدم في علاج القضايا المطروحة.

لم يعد المواطن يعول على المؤسسة الإعلامية الوطنية في نقل الخبر والفعاليات التي تقام من هنا وهناك، بل أصبح بحاجة إلى أن يشعر أن المؤسسة الإعلامية تتحسس أوجاعه، وتتألم بآلامه، إذ ليس كل مواطن لديه إمكانية ليشتكي كل يوم لعدم حصوله على حقه من خدمة معينة أو تم تجاهله من مؤسسة أو موظف معين، فالإعلام منوط به أن يكون عين المواطن، وألا يكتفي بالجانب التوعوي فقط، بل يكون دوره رقابيا.

وربما تكون من أكثر القضايا التي تشغل المواطنين هي ما يثار عن فساد مالي أو إداري، وضعف أداء بعض المؤسسات والدوائر الحكومية، فضلا عن تنامي البيروقراطية في إنجاز المعاملات، وبروز حكايات عن رشاوى وواسطة ومحسوبية، وضعف عدد ليس بالقليل من المخرجات التعليمية، علاوة على عراقيل العمل الحر والاستثمار، وغياب الاهتمام الكافي بالكفاءات الوطنية، وظهور "الشلليّة" في عدد من المؤسسات، إضافة إلى تطويع البعض لإمكانيات المؤسسات المادية والبشرية لمصالحهم الشخصية الضيقة.. كل ذلك قضايا تؤرق المجتمع، ورغم دراية المؤسسات الرقابية بوجود تلك القضايا، إلا أننا لم نر من إعلامنا سوى الأخبار النمطية والمواد الإعلامية الخجولة التي تبث بين فترة وأخرى مُحذرة من تفاقم تلك القضايا وخاصة الفساد المالي والإداري، لكنّها في ذات الوقت لم تتطرق إلى الضبطيات التي قامت بها الجهات الرقابية، معولة على الرقابة الذاتية لكل فرد في المؤسسة، وملوِّحة بالأمانة الوظيفية ونحوها، وهي معادلة غير مقبولة في دولة يحكمها القانون، وبالتالي تضعف ثقة المواطن بمؤسساته نتيجة تلك الاتكالية، فلا الإعلام قام بدوره، وحدد مكامن الخلل في المؤسسات، ولا المؤسسات الرقابية شخصت القضية وقدمتها للعدالة، وإن فعلت ذلك، فقد تكون بعيدة عن الإعلام. وهنا مكمن الخطر!

قضية الباحثين عن عمل هي الأخرى قضية تشغل المواطن العماني وفي المقابل نسمع عن أعداد كبيرة من التعيينات، ونحن عن قرب نعرف أشخاصا ينتظرون الوظائف لأكثر من 6 أو سبع سنوات ولم يتم التواصل معهم أو استدعاؤهم للتعيين، وإعلامنا يبرز البيانات والأرقام الرسمية وهي بلا شك موثقة، لكنه لم يلتفت ليستمع إلى الباحثين عن عمل الذين مضت عليهم السنوات ولم يتم استدعاؤهم للتعيين. وكذا هو الحال في الترقيات فالكل اكتفى بالصمت، وكأن الأمر لا يعنيه، وأصبح متنفس المواطنين شبكات التواصل الاجتماعي للتعبير عن امتعاضهم مما يحدث، وعدم حصولهم على حقوقهم، وربما اُستغلت تلك الظروف من قبل أعداء الوطن لتأجيج القضية، في وقت كان بإمكان الإعلام الوطني فيه أن يبرز القضية ويشخص أسباب تأخيرها والاحتمالات المتوقعة للإفراج عنها.

وهناك قضايا أخرى تتعلق بالعمل الحر والعراقيل التي تعترض الشباب لإدارة أعمالهم، والبيروقراطية في إنجاز المعاملات، وضعف الاستثمار والأسواق المحلية، وعدم الالتفات الجدي للقطاعات الاقتصادية الواعدة كالسياحة والاقتصاد المعرفي.. لكن رغم ذلك، فإننا على يقين بأننا نحتاج إعلاما أكثر قربا من المواطن، قادرا على تشخيص مكامن الضعف، وعرض الحلول ومتابعتها بالتحليل والنقاش، لنحقق لعُماننا ما يجب أن يتحقق.

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت.

Saif5900@gmail.com