هنا لندن

فايزة الكلبانية

(1)

كثيرًا ما كان يتردد في خاطري أن أزور (لندن).. مدينة الضباب كما يطلق عليها محبوها.. المدينة الوحيدة التي أتمنى ألا أحط رحالي بها إلا وأنا محققة هدفي بأن أكون طالبةً على مقاعد جامعاتها العريقة أو كليّاتها ومعاهدها.. يأخذني الحنين لعشاق الدراسة والفصل وضجيج ومشاغبات الطلبة.. وبالرغم من أنّ دراستي لنيل درجة الماجستير تندرج تحت مظلة (جامعة بيدفوردشير البريطانية) لكن ما زال لديّ حلم بأن أعيشها واقعًا.. بشوارعها وصروحها العلمية ومتاحفها ومعالمها.. واليوم جاءتني الفرصة لأكون مشرفة على فريق لندن ضمن رحلات الرؤية التعليمية.. لتجيء الفائدة دراسة وإدارة وقيادة، فشكرًا لرُبّان الرؤية على الثقة التي ما فتئ يمنحني إيّاها دوما؛ وآمل أن أكون عند حسن الظن.

 

 

(2)

 

جاء صيف هذا العام 2018 استثنائيا لفريق الرؤية من خلال إطلاق مبادرة هامة تعنى بإكساب أطفالنا مهاراتٍ مختلفة، وكيف يمكن أن يكون هذا الطفل ذا طموح ليصبح إعلاميًا يوما ما من خلال البرنامج الصيفي (الإعلامي الصغير)، إلى جانب استمرار تفعيل برامج التدريب الخارجي، حيث عملت مؤسسة الرؤية للصحافة والنشر خلال السنوات الأخيرة الماضية على تنويع أنشطتها ومبادراتها المجتمعية؛ فهي إلى جانب كونها صحيفة يومية تهدف لنشر المحتوى الإخباري والصحفي فهي تقود دفة عدد من المبادرات الجديدة التعليمية والتدريبية الخارجية؛ وبالتحديد تنفيذ رحلات تعليمية للمعاهد والجامعات والمدارس البريطانية وفقا للمعايير البريطانية الدولية، حيث تأتي هذه البرامج استنادا لمتطلبات عملنا وإطلاق العديد من المبادرات التدريبية الوطنية وفي إطار خدمة المجتمع وتنميته بكافة شرائحه وفئاته؛ وذلك بغرض تطوير الفئات الطلابية دون سن 18 سنة؛ ولأجل ذلك تم التعاقد مع مجموعة من المؤسسات التدريبية، وتمّ مؤخرا إعداد البرنامج التدريبي (النجاح المستقبلي) في الخارج لمجموعة من الطلبة وبالتعاون مع أفضل المعاهد والجامعات البريطانية..

تنقسم فترة الدراسة في هذا البرنامج إلى قسمين أساسيين الأول نظري بنظام المحاضرات والثاني عملي من خلال تنفيذ عدد من الزيارات والرحلات الميدانية للمعالم السياحية والتاريخية والترفيهية في مقاطعات المملكة المتحدة؛ هذا إلى جانب اهتمام الكادر التدريسي والإداري بتطوير الطلبة لمهاراتهم في التحدث والحوارات التعليمية في اللغة الإنجليزية، وغالبا ما تتميز البرامج الصيفية بالزيارات الميدانية كتطبيق عملي والتعريف بأبرز المعالم السياحية وتستقبل وفودا لطلبة من مختلف دول العالم، ويقيم الطلبة خلال هذه الفترة ضمن عائلات بريطانية يتم اختيارها بعناية ودقة تامة ووفق معايير واضحة تضمن استفادة الطلبة من الفترة التي يقضونها هنا بين الدراسة وباقي الأنشطة.

 

(3)

 

أتساءل أحيانا: كيف سيكون الوضع لو أنّ نظام التعليم في السلطنة يتطلب أن يقيم الطلبة القادمون من خارج السلطنة في بيت إحدى العائلات المُعتمدة طيلة فترة إقامتهم للسلطنة؛ سيكون بالطبع للوضع إيجابيات وسلبيات، هنا في بريطانيا مهمة العائلة توفير غرفة للطالب الذي تستضيفه، والمهمة الأكبر هي الحوار مع الطلبة لتقوية مهاراتهم في تطوير لغتهم الإنجليزية، وقد تجد البعض يتعامل مع الطالب كمستأجر لديهم وهم غير مطالبين بالحديث معه أو تقديم أي وجبات غذائية وما شابه؛ ولكن شخصيّة الأفراد في التعايش السلمي وأساليب الحوار قادرة على تغيير الوضع لصالح هؤلاء الطلاب.

 

 

(4)

 

يحرص الشعب البريطاني في تعاملاته على تطبيق النظام والقوانين مهما كانت قاسية أو صارمة! وربما يشكل لنا ذلك -نحن العرب- مصدر قلق خاصة إذا كانت ثمة أعمال تربطنا بهؤلاء البريطانيين؛ فنشعر إزاء ذلك بصعوبة التعامل معهم؛ لكن من خلال تجربتي إلى جانب عدد من الإخوة والزميلات وبمشاركة الطلبة استطعنا التعايش مع بعض القوانين وآليات تنفيذها؛؛ وتغلبنا على تلك التحديات بحسن الحوار والإصغاء، وسياسة الأخذ والعطاء والنقاش لنسهل الأمور على الطلبة المشاركين، وتستقيم أوضاعهم سواء فيما يخص السفر أو الإقامة العائلية أو تحديات الدراسة والزيارات الميدانية، ونكسب أصدقاء جدد من هذا الشعب الجميل بتعاوننا وسماتنا العمانية.

 

(5)

 

مفارقات عدة نعيشها يومًا بيوم من خلال تجربتنا مع رحلات الرؤية التعليمية، مع من نقابلهم.. نعايشهم.. نأكل معهم.. فالتنقلات العامة للناس في لندن هنا تعتمد على باصات النقل والمواصلات العامة أو محطات القطارات عن طريق استخدام بطاقة تدعى (oyster card)وبمجرد أن تكون حاملا لبطاقة الطالب سواء بالمرحلة المدرسية أو الجامعية فستكون قادرا على الحصول على خصم بنسب متفاوتة في عدد من المحلات والمراكز التجارية والتسوق وكذلك المطاعم، فالطلبة هنا ينعمون بشيء من الامتياز..

أيضًا حركة السير في لندن منظمة ولا تشعرك بالضيق على الرغم من الازدحام؛ فسائقو المواصلات وخاصة باصات النقل العامة والمركبات الخاصة يحترمون المارة ويؤثرونهم بفرص المرور حتى ولو كان المار شخصا واحدًا بطريقة ميسرة ومصحوبا بابتسامة رضا..

صخب الحياة في لندن كغيرها من الدول مع فارق الرقي والتحضر طبعا.. فالصباح يضج بالحركة والازدحام بين الطلبة والموظفين والمتسوقين، والمشي هنا رياضة وعادة عند الجميع رغم بعد المسافات، يساعدهم في ذلك عامل الجو المعتدل الغائم، ويشجعهم على المشي بعكس حرارة الجو التي تعيق حركة المشي عندنا..

يحاول الجميع هنا نيل احترامهم باحترام القوانين والنظام والتعامل الرسمي الذي يضمن لهم نجاح أعمالهم، ويعتمدون على الاتفاقات والخطابات المكتوبة رسميًا في أي تعامل أو صفقات ولا مجال هنا للتعاملات والوعود الشفهية بلا إثبات كما هو حال كثيرين اليوم بمختلف دول العالم.

تتميز لندن بتنوعها وإرضائها جميع الأذواق والميزانيات، بدءاً من المحلات الجزئية المتخصصة، والمتاجر الكبيرة، وصولاً إلى المحلات التجارية المستعملة. وفي عطلات نهاية الأسبوع، تصبح المدينة موطناً لكثير من الأسواق، التي تبيع كل شيء، من البقالة إلى الأزياء والتحف.

 

 

*همسة من لندن..

هنا لندن.. حيث صخب الحياة الجميل..

هنا لندن.. حيث الحنين.. وأفضل المتاحف في العالم..

هنا لندن.. حيث يحلم الكثيرون أن تكون لهم فرصتهم بمقعد دراسي..

هنا لندن.. حيث مدينة الضباب تكون وأكون بها اليوم..

هنا لندن.. حيث تحط رحلات الرؤية التعليمية رحالها..