لا تبخسوا الموظفين حقوقهم

 

حميد السعيدي

أيُّها المسؤول إنَّ المؤسسة التي تشرف عليها أمانة لديك، مسؤول عنها أمام الله والوطن والسلطان، فأنت القاضِي العادل الذي ائتمنك الوطن على هذه المؤسسة في تحقيق أهدافها وغاياتها بما يحقق طموحاته، فقد وضع تحت تصرفك كل الإمكانيات المادية والبشرية من أجل أن تقوم بواجبك في استغلالها بما يحقق الأهداف الوطنية؛ حيث ينتمي لهذه المؤسسة موظفون تحت إدارتك تختلف قدراتهم وكفاءتهم واستحقاقاتهم، فهناك من يعمل بإخلاص وأمانة ويضحي بوقته من أجل الوطن ونجاح المؤسسة، وهناك من لا يقوم بواجبه الوطني، أو أنه أقل مستوى من الآخرين؛ حيث تتفاوت إمكانياتهم وأدوارهم باختلاف القدرات والكفاءات، وهنا يكمُن دورك الحقيقي في مكافأة المخلصين، والعمل على معالجة المقصرين، وتطوير قدراتهم؛ بما يُسَاعد على قيام المؤسسة بدروها الحقيقي في خدمة الوطن.

وتحقيق النجاحات للمؤسسة يعتمد على مدى مقدرة القيادة في قمة الهرم على توظيف الإدارة الحديثة، وقدرتها على الاستفادة من الإمكانيات المتاحة لها بأقصى مدى ممكن، ولكن تحقيق ذلك يعتمد على مبدأ الحقوق والواجبات، فمتى توفرت حقوق الموظفين واستحقاقاتهم كانت المؤسسة قادرة على تحقيق نجاحات جديدة، والعكس من ذلك: غياب حقوق الموظفين يُسبِّب الموت السريري للمؤسسة؛ مما يُضعف جَوْدة مُخرجاتها وتُصاب بالترهُّل والفساد، وتسود فيها الاتكالية والتأخير في إنجاز الأعمال والتهرُّب من المؤسسة؛ مما يُساعد على أن تصبح المؤسسة عاجزة عن تحقيق أدنى مستويات النجاح، فما هي هذه الحقوق التي تُحدث هذا التأثير في أداء الموظف؟

يعتقدُ الكثير أن حقوق الموظفين ترتبط بالجانب المادي فقط، أي ما يتعلق بالعلاوات والترقيات وفقا لما حدده القانون المرتبط بالوظيفة والفترة الزمنية المحددة لذلك، ولكن الواقع ليس كذلك فهذه الحقوق تعتبر ثابتة ولا تؤثر كثيرا على أداء الموظف؛ ولكن هناك حقوق أكثر أهمية من الجانب المادي وأكثر تأثيرا على الموظف وكفاءته، ومتى ما أصيبت هذه الحقوق بالضياع كان أثرها كبيراً في مخرجات المؤسسة، وحتى أوضح الفكرة أكثر أود ذكر حادثة وقعت في إحدى المؤسسات المعنية بالقيم والمبادئ، وهذه الواقعة رغم بساطة حدوثها إلا أن تأثيرها كان سلبيا بدرجة كبيرة؛ سواء للذين وقع عليهم الحدث أو الذين كانوا مشاهدين له، حيث مر موظفو شؤون الموظفين بتلك المؤسسة على القاعات التي يتواجد بها الموظفون، وقاموا بتوزيع أوراق إنهاء الخدمة على بعض الموظفين أثناء ممارستهم للعمل، وأمام بقية زملائهم، في حادثة ضربت بها عرض الحائط كل حقوق الموظف ومكانته وإنسانيته، دون تقدير للجهود التي قدمها في خدمة هذا الوطن وهذه المؤسسة؛ مما سبب حالة من الحزن والأسى ليس فقط لإنهاء الخدمة، وإنما لأسلوب التعامل مع هؤلاء الموظفين.

أَمَا كان الحق لهم في أن يتم الاجتماع بهم، وتقديم الشكر لهم، والثناء على الجهود التي بذلوها، وإقناعهم بالظروف التي تجبر المؤسسة على إنهاء خدماتهم، ثم تقديم الهدايا لهم التي تُشعرهم بقيمتهم ومكانتهم، فكيف ستكون ردة فعل هؤلاء؟ هذا الحادثة وقعت في مؤسسة تضرب المثل في القيم والمبادئ، ولا أعتقد أن لها قيمًا تحترم الإنسان ومكانته!

وهُنا، تتضح الرؤية أكثر حول حقوق الموظفين في مؤسساتهم؛ فهي لها ارتباط كبير بأداء الموظف ونجاح المؤسسة، خاصة عندما يتعلق بإنسانيته وكرامته واحترامه، وهو حق يجب أن يكون حاضرًا إلى جانب حقوق أخرى؛ فالموظف إنسان يجب أن يكون له التقدير والاحترام فهو ليس آلة تقوم بأداء مهام معينة خلال فترة زمنية محددة ثم يتم التخلص منه، أو إجباره على الرحيل باتخاذ إجراءات عقيمة من قِبل بعض المسؤولين؛ فهذه النظرة الضيقة هي سبب رئيسي في خسارة الوطن للكفاءات الوطنية، وفي ذات الاتجاه يأتي حق العدالة والمساواة كأحد الحقوق الرئيسية التي يجب أن يلتزم بها المسؤولون، ولكن اليوم هناك العديد من التأثيرات الجانبية التي أسهمت في تغييب هذا الجانب، خاصة عندما يعاني المسؤول من فقدان التوازن العقلي والعاطفي فيحصل بالموظفين الذين يمتلكون الذكاء العاطفي والاجتماعي على النصيب الأكبر من التقدير والاهتمام على حساب مصلحة العمل، ويخسر الموظفون الذين يسعون لتحقيق أهداف المؤسسة لحقوقهم ويفتقدون للعدالة، وهذا الأمر يُحدث شرخًا بالمؤسسة نتيجة غياب العدالة بين الموظفين؛ مما يخلق الموت السريري للجودة إلى أنْ تُصبح المؤسسة غير قادرة على تحقيق النجاحات؛ مما ينعكس سلبا على جودة المخرجات، كما أنَّ الموظف يجب أن يحصل على حقه من التدريب والتطوير والمكافأة والاستثناءات المالية التي تتاح للمسؤولين، ويجب أن تمنح وفق لمعايير العدالة والمساواة وليست للمعايير الاجتماعية والعاطفية، هذا الأمر يُذكرني بحوار أجريته مع أحد المسؤولين في قمة الهرم في إحد المؤسسات؛ فقال: من أراد الرحيل عن المؤسسة فليرحل. وهنا يمكن وصف المؤسسة كأحد أملاك المسؤول أو منزله الخاص يتصرَّف فيه كيف ما يشاء وبأي أسلوب يراه، وهؤلاء لا يستطيعون تحقيق النجاحات لأن نظرتهم ضيقه للموظفين وللمؤسسة.

الأمر الذي يدعو للنظرة الواقعية لبعض المؤسسات التي حققت نجاحات كبيرة على مستوى الوطن، عندما تولي قيادتها رجال كان هدفهم كسب ثقة جلالة السلطان وغايتهم رفعة الوطن ومكانته؛ لذا كان تقديرهم واحترامهم لإنسانية الموظف هي من أولويات اهتمامهم؛ حيث أثبت الواقع أن توافر حقوق الموظف تسهم في قيامه بواجباته، بل تقدم له دافعية على تنفيذ مهام خارج نطاق مهامه الأساسية، كما تعمل على تنمية الولاء للمؤسسة وحينها يصبح أداء الموظف في قمة الإتقان، وهذا الأمر لا يمكن المزايدة بجوانب أخرى؛ لأنَّ غياب الحقوق تؤثر على الجانب النفسي مما ينعكس سلبا على عطاء الموظف للمؤسسة التي يعمل بها؛ لذا تدرك القيادات الوطنية الفاعلة هذا الجانب، وتعمل على أن يكون من أولويات مهامه الأساسية، في حين أن بعض المسؤولين في بعض المؤسسات يغيبون هذا الجانب، بل يصبح من الأمور التي لا تلقي اهتماما كبيراً منهم مما ينعكس على الولاء للمؤسسة.

Hm.alsaidi2@gmail.com