"ارحموا من في الأرض.."

 

سيف المعمري

 

تَشْهد السلطنة كمثيلاتها من دول المنطقة خلال أشهر الصيف ارتفاعات متنامية في درجات الحرارة عامًا بعد عام، ونظراً لتلك المعطيات فقد عملت السلطنة -ممثلة بوزارة القوى العاملة من خلال قانون العمل، واللوائح والقرارات الوزارية- على تحديد وتنظيم ساعات العمل، كما خصَّت العمال المسلمين بتقليل ساعات عملهم خلال شهر رمضان المبارك، حيث نصت المادة (68) من قانون العمل على: "لا يجوز تشغيل العامل أكثر من تسع ساعات في اليوم الواحد وبحد أقصى 45 ساعة عمل في الأسبوع على أن تتخللها على الأقل نصف ساعة لتناول الطعام والراحة، ويكُون الحد الأقصى لساعات العمل في شهر رمضان ست ساعات في اليوم أو 30 ساعة فـي الأسبوع؛ وذلك بالنسبة إلى العمال المسلمين، ويجوز بقرار من الوزير تحديد مواعيد ساعات العمل"، ونصت المادة (69) من ذات القانون على: "يجب أن تتخلل ساعات العمل فترة أو أكثر لتناول الطعام والراحة لا تقل في مجموعها عن نصف ساعة يراعى في تحديدها ألا تزيد مدة العمل المتواصل على ست ساعات"، كما ينصُّ البند الثالث من أحكام المادة (16) من اللائحة التنظيمية لتدابير السلامة والصحة المهنية على "عدم تشغيل العمال في المواقع الإنشائية أو الأماكن المكشوفة ذات الحرارة المرتفعة في أوقات الظهيرة من الساعة الثانية عشرة ونصف وحتى الساعة الثالثة والنصف؛ وذلك طوال أشهر يونيو ويوليو وأغسطس من كل عام"، وإن كانت تلك القوانين واللوائح معلومة للكثير من أصحاب العمل ويجهلها البعض منهم، وكذا هو حال الكثير من العمالة الوافدة التي تجهل تلك التشريعات القانونية، فإن ذلك لا يعفي أصحاب العمل من الالتزام بتلك القوانين من جهة، ومن جهة أخرى التزامهم الأخلاقي والإنساني بحقوق من ولي مسؤوليتهم، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو بْنِ الْعَاصِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ، ارْحَمُوا مَنْ فِي الأَرْضِ يَرْحَمْكُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ، الرَّحِمُ شُجْنَةٌ مِنَ الرَّحْمَنِ، فَمَنْ وَصَلَهَا وَصَلَهُ اللَّهُ وَمَنْ قَطَعَهَا قَطَعَهُ اللَّهُ" صدق رسول الله.

إنَّ التقيد بالقوانين واللوائح والقرارات الوزارية المنظمة للعمل من قبل المؤسسات وأصحاب العمل تتطلب متابعة مستمرة وحازمة من قبل وزارة القوى العاملة واللجنة العُمانية لحقوق الإنسان والجهات ذات العلاقة، ولا يجب على الوزارة والجهات ذات العلاقة أن تنتظر العمال لتقديم الشكاوى عن الكثير من الممارسات غير الانسانية من قبل مؤسساتهم، فقد يزيد ذلك من حجم معاناتهم، وهم أحوج ما يكونوا لتوفير لقمة عيشهم، وقد تركوا أوطانهم وخلانهم في سبيل ذلك، وتحملوا المشقة من أجل أن يعودوا إليهم سالمين غانمين.

وسأتطرق على سبيل المثال لا الحصر إلى بعض من الممارسات غير الإنسانية التي حرم منها العمالة الوافدة، خاصة في الأعمال الإنشائية والمكشوفة وفي فصل الصيف؛ حيث يمكن مشاهدتهم وهم يباشرون ساعة العمل بدءا من الساعة السادسة صباحا وحتى السادسة مساء لمدة اثنتى عشرة ساعة متواصلة، ولا توجد أماكن ظليلة لفترة الراحة والأكل، ولا يتم توفير مياه الشرب الباردة، ويعملون 7 أيام بدون إجازة أسبوعية، بل إن بعض أصحاب العمل يقوم بتشغيلهم في عدة مواقع ولمدة تتجاوز اثنتى عشرة ساعة يومية، خاصة في شركات نظافة المباني حيث تقوم بعض الشركات والتي لديها عقود لتنظيم وخدمة المؤسسات الحكومية والخاصة، بتشغيل العمال بالشركة في مواقع أخرى في فترة الاجازة الأسبوعية للمؤسسات الحكومية والخاصة، وفي أحيان كثيرة حتى ساعات متأخرة من الليل، فضلا عن تأخير رواتبهم لفترة تتجاوز الستة أشهر في بعض الشركات.

ويرى بعض أصحاب العمل أن عدم إعطاء العمال فترة كافية للراحة، وللإجازة الأسبوعية وتشغيلهم لساعات طويلة -بدون بدل مادي لما زاد على ساعات العمل التي حددها قانون العمل بـ9 ساعات خلال اليوم الواحد- قد يسهم في استقرار العامل في عمله، ولا يترك له مجالا للتفكير في الهروب، وهي بلا شك تبريرات غير منطقية، بل غير إنسانية، إذ ليس من الأخلاق في شيء أن يتم استغلال حالة العمال ووضعهم المعيشي؛ لقهرهم وإكراههم على الطاعة أو إنهاء خدماتهم.

إنَّ كل إنسان عليه أن يتحلى بمسؤولياته الأخلاقية تجاه نفسه والآخرين، كما عليه أن يضع نفسه مكان ذلك الشخص الذي ولي مسؤوليته، وعليه ابتداءً أن يستحضر قول أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "إذا دعتك قدرتك على ظلم الناس، فتذكر قدرة الله عليك"، والنبي عليه الصلاة والسلام يقول: "كلكم راع، وكلكم مسؤول عن رعيته"، فلنكن رحماء بمن في الأرض، لننال رحمة رب السماء والأرض.... وبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت.

Saif5900@gmail.com