العد التنازلي لخريف ظفار 2018

 

د. عبدالله باحجاج

لم يتبق على الموسم السياحي لخريف ظفار 2018 سوى عشرة أيام فقط، وكل المؤشرات تشير إلى أنّه سيكون خريفا استثنائيا – بمشيئة الله – فالاخضرار قد أصبح يكتسي الطبيعة في بيئاتها المختلفة في محافظة ظفار دون استثناء، وقبل استحقاقاتها، وتحولات المناخ قد أخذت بدورها تستدعي استثنائية هذا الفصل قبل أوانها، ومن يحرر نفسه من انشغالاته المادية، ويطلق نفسه في فضاءات الطبيعة الرائعة في الجبل أو السهل.. أو يمتع ناظريه بمناظر الشلالات.. سيزداد خشوعا فوق خشوعه الرمضاني، وستتعمق تسبيحاته للخالق عز وجل، ولن تفارقه تسبيحة "سبحان الخالق".

لقد بكر خريف عام 2018 بفعل الأمطار الغزيرة التي صاحبت إعصار مكونو، وعندما يقارن المرء بين ما تعيشه ظفار الآن من تجليات ربانية في الطبيعة، ويقرأ التحذيرات من موجة حر شديدة لم يشهدها الخليج منذ (140) سنة، سيجزم يقينا بالاستثناء المكاني، كمنحة من الله عز وجل للبشرية لكي تكون منطقة يشد إليها الرحال هروبا من الحر في الخليج، ويتساءل- كما تساءلنا سابقا وحاليا - كيف لم تتحول ظفار إلى عاصمة للسياحة الخليجية حتى الآن؟ كيف لا تكون هذه البقعة منطقة استثمارات خليجية مشتركة، وجامعة للتعدد والخلاف الخليجي الخليجي بمعزل عن السياسة، وأصدقائها الثابتين، وأعدائها المتغيرين؟ فكيف نجعل ظفار منطقة العيش المشترك لمن يكون أخا اليوم وعدوا غدا؟ فإحساسنا الرفيع بهذا الأرض، يعطينا اليقين بأنّها الأرض التي هيأها الله عزّ وجل لكي تظل على الدوام منطقة جامعة للعيش لكل من يخشى على سلامه وثرواته من تقلبات السياسة، وكل من يهرب من حر بلاده بحثا عن المناخ المعتدل، فلن يجدهما سوى في سلطنة عمان في سلمها الدائم وفي تنوع مناخها واختلافه بين عدد من محافظاته، وتظهر محافظة ظفار هنا في إطار هذا التنوع المناخي علامة فارقة في ذاتها ودون غيرها، فعندما يبدأ الحر الشديد في منطقة الخليج، تشهد ظفار لوحدها حتى دون أجزائها الوطنية الأخرى انخفاضا في درجات الحرارة تصل في الجبل إلى ما دون (15) درجة والمدينة قد تصل إلى (20) درجة، وتكتسي جبالها وسهولها بالغطاء الأخضر الجميل، وتنفجر شلالاتها بالمياه، وكانت في الأعوام السابقة تتأخر هذه التحولات في الطبيعة، لكن الأمطار الأخيرة، قد عجلت بالذروة الخريفية قبل أوانها، فكيف بأوانها؟

وقد قمنا خلال اليومين الماضيين بجولة في الجبال وفي بعض الولايات.. وقمنا بزيارة بعض المواقع السياحية بما فيها العيون والشلالات.. ووجدنا الكثير من الأسر والشباب يرتادون هذه الأمكنة من بعد العصر إلى أذان المغرب، وبعد صلاة التراويح يسهرون فوق مرتفعات الجبال المطلة على مدينة صلالة وولاية طاقة.. في متعة المكان والمناخ وروحانيات الشهر الفضيل، وعندما تذهب نحو الغرب، باتجاه ضلكوت ورخيوت.. فمن المؤكد أن الجمال الباهر للطبيعة، منذ أن تتمكن من طلعة عقبة اقيشان، وتظهر لك الفزائح والمرتفعات الجبلية هناك.. ستتسارع عدد تسبيحاتك "سبحان الخالق" إنّه جمال فوق الوصف، وشعور داخلي مؤثر على الجوارح الخمس، لن ينغص متعك بالمكان وتجلياته وتمنياته سوى عدم جاهزية بنيتنا التحتية كاملة لخريف عام 2018 حتى الآن، فولايات ساحلية سياحية بامتياز، مثل ضلكوت ورخيوت لا تزال تعاني في بنيتها التحتية وفي سكناتها الاجتماعية سواء من حيث الأضرار في المساكن أو عدم اكتمال رجوع كل الخدمات الأساسية.. وكذلك بعض المواقع والمرافق العمومية المراد إصلاحها، فالتداعيات في البنية وفي الأملاك الخاصة فوق إمكانيات السلطات المحلية بما فيها الشركات رغم جهود بعضها التطوعية مشكورة رغم أنها لا تزال تطالب الحكومة حتى الآن بمستحقات مالية لم تستوفها بسبب الأزمة المالية السابقة، نقول أزمة سابقة، لأنّها لم تعد إلا في الحسابات المالية، وإجراءات الترشيد والتقشف، فأسعار النفط قد ارتفعت إلى مستوى (80) دولارا للبرميل؟ وهذا التلاقي بين تعافي الأسعار النفطية وبين إعصار مكونو وتداعياته، يزيدنا إيمانًا بخيرية بلادنا، وصلاح أهلها، ويعمق ثقتنا بمسيرها الآمن والمطمئن – إن شاء الله – فكل الأزمات التي تعترضنا، نخرج منها بانتصارات، وتعمق لحمتنا الوطنية، لكن يبدو أنّ المعضلة ستكون في إدارتنا المالية والاقتصادية.

وتصوروا معنا، لو تقاطعت كل البلديات في البلاد – المركزية والإقليمية – مع قضايا إعادة البنية التحتية في كل الولايات المتضررة على غرار تكاتف وتضامن الأهالي في الولايات، كيف سيكون المشهد الوطني؟ للأسف قوة التكاتف والتضامن المجتمعي المجتمعي، لا يقابله تضامن وتكاتف القوة المؤسساتية المؤسساتية الحكومية والبلديات على وجه الخصوص، ما عدا بعض المؤسسات، كيف يمكن تفسير هذا الخلل؟ وكيف لم نفكر في إدارة مرحلتنا الوطنية من هذا المنظور؟ وهل وعي النخب المعنوية المستقلة التي حركت المبادرات المجتمعية أعلى من وعي النخب الحكومية – باستثناء البعض طبعا-؟.

وهذه القضية يفترض أن تتصدر الاهتمامات الوطنية، وأن تسخر لها كامل الإمكانيات حتى تكون محافظة ظفار جاهزة ليوم الاستحقاق السياحي المنتظر عمانيا وخليجيا كل عام، ولو كان الوعي الحكومي حاضرا، فسنرى ورش كل بلديات السلطنة تعمل في كل مكان ليس داخل صلالة فحسب بل كل ولايات محافظة ظفار، لتعيد الحركة الانسيابية والممكنة لكل المواقع السياحية المشهورة والتي يحرص كل زائر وسائح لظفار على زيارتها، ولو كان حاضرا، سنرى لقاءات حكومية مصغرة وموسعة في صلالة لدواعي سرعة اتخاذ القرار من عين المكان، بدلا من ذهاب كبار المسؤولين المحليين إلى مسقط في كل مرة، ولو كان حاضرا، فذلك سيشكل تضامن كل بلديات البلاد مع بلدية ظفار في مشهد وطني يعزز مسار التلاحم الاجتماعي الاجتماعي، ويحقق انتصارات كبرى في معركة كسب القلوب.

فهل العشرة أيام الباقية على خريف 2018، مدة كافية لعودة كامل الأوضاع إلى ما قبل الإعصار؟ لن ننكر نجاح الجهود المحلية بشقيها المدني والعسكري، فهي تسابق الوقت، ومع ذلك فقد حققت إنجازات كبيرة وملموسة، لكن، كان بالإمكان أن يكون أكثر مما كان لو تضافرت الجهود، وتلاقى تعددها وشموليتها عند هدف إصلاح أضرار البنية التحتية، أو تحسين جودة البنى الجديدة المؤقتة، كالطريق الترابي الذي تمت إقامته عند المغسيل ليربط صلالة بالولايات الغربية، حيث تجد العربات الصغيرة الحجم (الصالون) صعوبة في استخدامه، ولو استخدم لدواعي الحاجة الإنسانية والاجتماعية الضرورية، فهذا سيعرض مركبات المواطنين لإعطاب مستمرة ويقلل من عمر مركباتهم الافتراضية، فكيف سيكون مهيئا للسياحة الخريفية بهذه الوضعية؟ علما أنّ ولايات ضلكوت ورخيوت والمواقع السياحية في هذه الجهة الغربية كمنطقة الفزائح.. هي من مناطق الجذب السياحي، وتشد إليها الرحال لروعة الجمال الخريفي فيها، وتضاريسها الرائعة، والمكوث فيها لسويعات، تمدك بطاقة إيجابية قلبية عالية التأثير.