طالب المقبالي
"أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يُزْجِي سَحَابًا ثُمَّ يُؤَلِّفُ بَيْنَهُ ثُمَّ يَجْعَلُهُ رُكَامًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مِنْ جِبَالٍ فِيهَا مِنْ بَرَدٍ فَيُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ وَيَصْرِفُهُ عَنْ مَنْ يَشَاءُ يَكَادُ سَنَا بَرْقِهِ يَذْهَبُ بِالْأَبْصَارِ" صدق الله العظيم.
عُمان.. بلد السلم والسلام، بلدُ الأمن والأمان، بلد التسامح والوئام، عندما تتعرَّض عُمان لأزمةٍ من الأزمات، يهب الشعب من شماله إلى جنوبه، من مسندم إلى ظفار، من أقصاه إلى أقصاه، في لحمةٍ وطنيةٍ واحدةٍ، وفي حالة من حالات الترابط والتماسك والتعاون بين أفراد المجتمع؛ للمساعدة والمشاركة في التغلب على المحنِ والمصاعِب أيًّا كان نَوْع العارض الذي تتعرَّض له السلطنة؛ سواءً كانت أنواءً مناخية أو أي أزمة أخرى.
فقد تعرَّضتْ السلطنة إلى العديد من الأنواء، بعضها لم نشهده، وإنما شهدته الأجيال التي سبقتنا، والبعض الآخر وقع في وقتنا هذا وعايشناه بكل تفاصيله، ولعلَّ أشهرها: إعصار جونو في العام 2007م، هذا الإعصار الذي اعتُبر من أقوى الأعاصير المدارية التي وقعت منذ العام 1977، وهناك من المعنيين بالأرصاد من صنَّفه بأنه الأقوى منذ نحو ستين سنة، والذي بلغت سرعة دورانه 260 كم في الساعة.
هذا الإعصار الذي أكسب العمانيين الخبرة في التعامل مع مثل هذه الأنواء؛ حيث هب فيه شعب السلطنة في تكاتف وتعاضد مهيب، أدى لتجاوز الأزمة رغم الأضرار الفادحة.
وقد رفضتْ السلطنة آنذاك كل المعونات والمساعدات الخارجية؛ كي يكون درساً لأبناء عُمان يتعلمون من خلاله مواجهة المحن والصعاب، ومجابهة كل النكبات دونما تدخل من الخارج. وبالفعل؛ كانت التجربة ناجحة، والنتائج مبهرة، والخسائر البشرية تكاد لا تُذكر، وقد تركزت الأضرار في الممتلكات وذلك لعدم الاستعداد المسبق لمثل هذه الأنواء في العقود الماضية، وجاء إعصار فيت الذي تعاملت معه السلطنة من خلال تجربة جونو فكانت الخسائر أقل بكثير، بعد ذلك شُكلت في السلطنة هيئات ولجان لمثل هذه الحالات، وغيرت السلطنة من خططها في العمران والطرق، فأنشأت الجسور في جميع الأودية بمختلف محافظات السلطنة، كما أنشأت طرقاً حديثة صُمِّمت بحيث لا تتأثر بالأجواء المناخية، ولا تتوقف بسبب جريان الأودية.
واليوم.. يأتي مكونو وجميع أفراد الشعب والحكومة والكل قد عرف دوره في مجابهة هذا الإعصار وغيره من الأنواء المناخية، فقد سطَّر الشعبُ أروعَ الأمثلة في التعاضد والتكاتف والترابط، فهب المتطوعون من مسقط ومسندم والبريمي والظاهرة والباطنة والداخلية والشرقية لنجدة سكان ظفار والوسطى، في ملحمة وطنية.
فكلما كان هناك عارض تتعرَّض له عُمان، فإنَّ الشعب يُصبح رجلاً واحداً وتتَّحد الجهود، وهناك ثقافة واسعة لدى المجتمع لمجابهة مثل هذه الأنواء؛ فعُمان هي الجسد الذي اذا اشتكى فيه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحُمى.
وهنا.. أستحضرُ نطقًا ساميا لحضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله- في انعقاد مجلس عمان السنوي 2012، حين قال أيَّده الله: "ولقد أثبت العمانيون خلال الحقبة المنصرمة أنهم يتمتعون بمستوى جيد من الوعي والثقافة والإدراك والفهم في تعاملهم مع مختلف الآراء والحوارات والنقاشات التي تنشد مصلحة هذا البلد ومصلحة أبنائه الأوفياء".
ولعلَّ هذا يتجسَّد في استيعاب أبناء عُمان من الدروس التي مرت على هذا البلد من أنواء مناخية وأمور أخرى.
ومما يُثلج الصدر أن هذه الأزمة وحَّدت أيضاً إخواننا في دول الخليج والدول العربية والإسلامية بتوحيد الدعاء لعُمان ولليمن الشقيق في ليالي رمضان بتجاوز هذه المحنة، كذلك مما يثلج الصدر تلك التغريدات التي أطلقها أبناء الخليج المتضمِّنة خالص التضرع والدعاء إلى الله بتجاوز هذه المحنة.
كما أشادَ بعض المغردون بالجاهزية الكبرى لوسائل الإعلام وأجهزة الدفاع المدني وشرطة عمان السلطانية وسلاح الجو السلطاني وهيئة الطيران المدني وبقية المؤسسات التي تكاتفت وعملت من أجل إعادة الأوضاع إلى طبيعتها.
فتحية لأبناء عُمان البررة، وتحية لمن ضحُّوا بوقتهم ومالهم وخاطروا بحياتهم من أجل عُمان وأبناء عُمان، وتحية لكل من أسهم في تجاوز هذه المحنة بحب وإخلاص.
muqbali@gmail.com