السيد علي البوسعيدي
رغم أنَّه شهر التقوى والصيام، إلا أن مُجتمعاتنا اعتادت على أن تتعامل معه باعتباره شهر التبذير والإسراف في الاستهلاك، فما أن يقترب الشهر الكريم حتى تجد الناس أفواجاً أفواجاً يتوجهون نحو المتاجر الكبيرة وأسواق الخضروات والفاكهة، يقومون بشراء كميات كبيرة ومنوعة وكأنهم لن يجدوها مرة أخرى، ولا تجد فرقاً بين شراء سلعة مهمة يحتاجها البيت بالفعل أو شراء سلع رفاهية ستوضع على الرف ولن يستهلكها أحد، هذا بالإضافة إلى شراء كميات تصل إلى أضعاف ما كان يتم استهلاكه في الأيام العادية، رغم أننا نتحدث عن شهر الصيام وليس شهر الطعام.
ورغم أنَّ شهر رمضان الفضيل شهر التقوى والبِر والإحسان والرحمة والمغفرة والرضوان، إلا أنَّ الكثير من المسلمين يزداد إسرافهم وتبذيرهم في هذا الشهر بخلاف بقية شهور السنة، إذ يبالغون في شراء ما لذَّ وطاب من الأطعمة والأشربة والحلوى والمسليات وكأن رمضان موسم للأكل والتباهي، فيأكلون القليل منها ويتعرض ما يتبقى للإتلاف والرِمي في حاويات القمامة.. وذلك في الوقت الذي تعاني العديد من الأسر المسلمة من الجوع وضيق ذات اليد ولا تجد من يعطف عليها ويسد رمقها.
ولا يقتصر الإسراف في رمضان على الأسر الميسورة الحال فقط، بل يشمل – وللأسف الشديد - غالبية الأسر من مختلف الطبقات والفئات غنيها وفقيرها - خصوصًا في العزائم والولائم الرمضانية التي يكون التفاخر بها هو سيد الموقف - كما امتد الإسراف أيضًا إلى الإفطار في بعض المساجد وذلك عندما لا يتم التنسيق مع إمام المسجد أو القائم على برنامج الإفطار، حيث يحضر كل شخص أفضل ما لديه من الأطعمة والتمر والعصائر، مما يفيض عن حاجة الذين يفطرون في المسجد، وقد يكون بعضها مما لا يسهل حمله أو نقله فيرمى ويُتلَف.
ولايسعنا في هذا الموضع إلا أن نذكر القراء بقوله تعالى: "وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلَا تُسْرِفُوا ۚ إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ"
وقوله عز وجل: "إنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا".
ويمكنك أن تدخر بعض الوقت لمشاهدة جيوش المستهلكين المسلمين الصائمين وهي تتحرك بعد أن فرغت من الشراء، وأفرغت محتويات جيبها أو بطاقتها البنكية أمام الصراف وفي طريق العودة، تجر أمامها عربات مكدسة بأكوام من السلع المختلفة. وفي المنزل حدّث ولا حرج ..
حيث يتم طبخ أصناف متعددة من الطعام، وبكميات كبيرة وكأن الصائم سيأكل أكثر عند الإفطار أو السحور، أو كأن شهر رمضان خصص للاحتفال بالطعام والتهام كميات كبيرة منه.
علينا نحن معشر المسلمين الصائمين أن نسير في طريق الاقتصاد في النفقات وننأى بأنفسنا عن السير في طريق الإسراف والتبذير، وأن ندرك أنَّ الغاية من الطعام والشراب هي التقوِّي على طاعة الله والفوز برضاه في الدنيا والآخرة، وليس ملء البطون والتفاخر ونسيان إخواننا من الفقراء والمساكين الذين لهم حقوق كثيرة علينا.