بركان "التاريخ المشترك" الخامد

 

مسعود الحمداني

 

ندوة المهلب بن أبي صفرة جاءت ردا على محاولة عرض مسلسلٍ حول شخصيته وسيرته في أحد تلفزيونات الدول المجاورة، رُتب لهذه الندوة وأُعد لها بشكل لافت، ومن خلالها خرجت الأصوات التي تطالب باسترداد "الحق السليب" للسلطنة، والذي بات استمراره أمرًا مستفزًا لكثير من الناس؛ حيث تمّ نسب كثير من المفردات الاجتماعية والتاريخية والثقافية لغير أهلها- كما يعتقد البعض- غير أنّ هذه الندوة كانت "هَبّة" رسمية غير اعتيادية، وردة فعل واضحة ظهرت على لسان مسؤولين عُرفوا بالحكمة والثقل ورجاحة العقل والهدوء- رسميا وإعلاميًا- مثل معالي عبد العزيز بن محمد الرواس مستشار جلالة السلطان للشؤون الثقافية، والذي أصبح تصريحه عن "40 التيه" مثار حماس وترحيب من كثير من المغردين والكتّاب، وتسبب في رفع نسبة "الجرأة" التعبيرية لدى الكثيرين.

وعلى كل حال- ورغم زوبعة الندوة وتوصياتها البلاغية- إلا أنّ الواقع يقول إنّ المسلسل سيُعرض في رمضان، وسيشاهده الملايين حول العالم، ولن تجدي الندوة والتصريحات نفعا، وأن عملية مسح الذاكرة بات وشيكا، بل وأمرًا واقعا لدى الطرف الآخر، وكان من الأجدى- من وجهة نظري- أن تقام الندوة عقب المسلسل لا قبله، لأننا حاليا نحتج على عمل لم يرَ النور بعد، كما أنّ الكثيرين كانوا يفضلون لو قامت السلطنة بخطوات عملية أكثر حزما وحسما من خلال تقديم مذكرة احتجاج رسمي لدى السلطات التي أنتجت وموّلت المسلسل، أو أنها سجلت موقفا رسميا واضحا لا لبس ولا تأويل فيه بدلا من استباق العمل الفني بندوة افتتحها بقوة "معالي" واختتمها بهدوء "سعادة" مما يثير علامة استفهام أخرى على "جديّة وأهمية" التحرك الرسمي، كون أنّ "رعاية" الأحداث لدينا عادة- كثقافة متداولة- تأتي من مركز وسلطة راعيها، مع كل الاحترام لجميع الرعاة الرسميين وغير الرسميين.

وقبل هذا وبعده.. أعتقد أنّه يجب أن تكون هناك تفاهمات تاريخية وثقافية وتراثية واضحة بين المسؤولين في السلطنة ودولة الإمارات لوضع النقاط على مفصل التاريخ المشترك الذي يربط بين الدولتين والشعبين، لأنّه ليس من مصلحتهما أن يظل هذا التجاذب بين الأطراف والذي قد يؤدي مستقبلا- لا سمح الله- إلى رفع سقف الخلاف، وكلنا شاهد ورأى كيف لجأ بعض المغرضين والمندسين والمغردين من دول أخرى إلى الاصطياد في الماء العكر، ودس السم في العسل، والتحريض، والتجاوز على المشتركات التاريخية بين الدولتين، وهو ما تسعى إليه بعض الجهات التي تريد نسف كل علاقات ودية بين الشعوب لكي تزيد حدة الخلاف بين الدول الشقيقة، وهو أمر الجميع في غنى عنه.

التاريخ ـ كما أشرتُ في مقال سابق ـ لا يمكن محوه، ولكن يمكن تزويره، لذلك علينا جميعا أن ننظر إلى الحاضر والمستقبل، وأن نجعل التاريخ المشترك أرضا صلبة للانطلاق نحو ترسيخ مفاهيم العيش والجوار الأخويّ، وألا نعيش أدوارا تاريخية لا علاقة لها بكيانات سياسية معينة، حيث إنّ بعض الشخصيات التاريخية تعتبر شخصيات عابرة للقارات والدول، ولا يمكن نسبتها إلى بقعة جغرافية معينة، فهي مُلك لمجموعة "أقاليم" تتقاسم فترات حياتها وسيرتها، دون مساس بكيانها وشخصيتها واستقلاليتها، فمثل تلك الشخصيات وُلدت في بلد، ونشأت في بلد آخر، واكتسبت ثقافتها وعلا صيتها في بلد ثالث ورابع، وتنقلت من مكان إلى مكان، في زمن لا حدود جغرافية واضحة لكياناته الاجتماعية والسياسية.

أخشى ما أخشاه أن تتحوّل بعض الخلافات التاريخية (الناشئة) إلى خلافات جوهرية تضرب في العمق كما هو الحال في الخلاف الرهيب الذي لا تزل الأمة تنزف له دما ودمعا، حول من قتل سيدنا الحسين؟!! ومن أحق بدمه؟!! وغير ذلك من تهم تكال بين الطوائف والمذاهب لم تخلف سوى الانقسامات والتناحرات وعدم الثقة بين الأجيال منذ أكثر من ألف سنة وتزيد.

فليكن العقل والحكمة هما الحاضران في أي خلاف تاريخي وثقافي وتراثي مشترك بين الدول، لا تجني منه الشعوب سوى التنافر، ولا يعمّق سوى الفجوات "المفتعلة" بين الأمم.. وليهنأ الأموات بالسلام بعيدا عن ضجيج الأحياء.

Samawat2004@live.com