خلفان الطوقي
أعلنت وزارة القوى العاملة قبل عدة أيام توظيف حوالي ٢٥ ألف عماني وعمانية حسب الموعد المحدد سلفاً، وهذا جهد مقدر وإنجاز يُحسب للوزارة وباقي الجهات التي ساهمت في ذلك سواء كانت جهات عسكرية أو شركات حكومية أو قطاع خاص، نعتبره إنجازا بغض النظر عن كواليس هذا التوظيف، وبغض النظر عن لماذا تم اختيار رقم ٢٥ ألف شخص تحديداً، وليس أكثر أو أقل من هذا العدد، لا عليكم، دعونا ننظر من الجانب الإيجابي للموضوع ونثمنه ونشكر القائمين عليه.
السؤال الذي يطرح نفسه أو الأسئلة الذي يجب أن تطرح الآن وفي هذا التوقيت بالذات، ماذا بعد مبادرة توظيف عدد "٢٥" ألف عماني وعمانية ؟، وهل سيتكرر طرح نفس العدد أو سوف يقل العدد أو يزيد؟، وكيف سيتم توظيفهم؟، وفي أي قطاع سيتم ذلك؟، ومتى سوف تبدأ هذه المبادرة؟، ومن هم الذين سوف تكون لهم أولويات التوظيف من حيث المستوى التعليمي أو الجنس أو الأعمار أو متطلبات السوق من عرض وطلب؟، وكم مدة المبادرة الحالية؟، ومتى ستكون المبادرة القادمة؟، وهل سوف تستطيع الحكومة تكرار هذه المبادرة بين حين وآخر؟، أتوقع أن مثل هذه الأسئلة ستكون جوهرية عند تنفيذ أي مبادرة لها علاقة بالتوظيف.
بالرغم من طرح الأسئلة الموضحة أعلاه، علينا في ذات الوقت أن نوضح التحديات التي تواجه الحكومة في ملف التوظيف وأهمها أن القطاع الحكومي به أعداد تفوق ما يحتاجه فعليًا، وعلينا أن نعترف بأنَّ القطاع الخاص في السلطنة يعتبر صغيرا ولن يتحمل الضغط عليه خاصة الذين يمرون بخسائر وصعوبات مالية، وبحجمه الحالي لن يستطيع استيعاب جميع المخرجات العمانية التي تزداد سنويًا، وكما طرحنا الأسئلة والتحديات، علينا أيضاً أن نقترح حلولاً يمكن من خلالها أن تخرج الحكومة من عنق الزجاجة، وتتنفس الصعداء، وتجد حلولا مستدامة لملف التوظيف الذي يؤرق جميع أجهزة الدولة بكافة مستوياتها، والذي يطرح بين فترة وأخرى، ويشتد الموضوع حدة حيناً ويرتخي حينًا آخر، لكنه لا يختفي أبدا.
أهم الحلول التي يمكن أن تطرح في هذا المقام هي إنشاء قطاعات إنتاجية غير نفطية تساهم في التوظيف كالتعدين والصناعة والأسماك والتكنولوجيا بالإضافة إلى الاهتمام بمنظومة السياحة بكافة عناصرها، وتطبيق سياسية الإحلال التدريجي بعد مناقشة القطاع الخاص وإيجاد أرضية مشتركة تعتمد على مبدأ "لا ضرر ولا ضرار"، والأهم من هذا وذاك هو تقوية الاقتصاد وتمكين القطاع الخاص من خلال إشراك جميع الجهات الحكومية في تسهيل التشريعات والقوانين لممارسة العمل التجاري ومساعدته في تخطي مرحلة الانكماش الاقتصادي التي قد تخرج عدداً من المؤسسات التجارية من السوق، إضافة إلى الاهتمام الفعلي بملف الاستثمار الخارجي المباشر لجعل عمان محط أنظار المستثمرين الخارجيين وزيادة نسبته وتحسين نوعيته سنوياً ولو بشكل تدريجي.
وأهم رسالة أستطيع أن أنقلها من خلال هذا المقال وأتمنى من كل القراء أن يركزوا عليها هي أن وزارة القوى العاملة ليست المسؤولة الوحيدة عن ملف "التوظيف"، وإنما المسؤولون هم جهات حكومية كثيرة مثل وزارة التجارة والصناعة وإثراء والهيئة العامة للمناطق الصناعية والبنك المركزي العماني وشرطة عمان السلطانية ووزارة السياحة وهيئة التعدين والصندوق الاحتياطي للدولة وبرنامج تنفيذ ومجلسي الشورى والدولة والجهات المشاركة في إصدار التراخيص التجارية، ربما هناك جهات تتوقع أن الموضوع لا يعنيها لكن الحقيقة يعنيها إذا نظرنا إلى الموضوع بشكل كلي وشمولي، واعتبرنا أن ملف "التوظيف" مرتبطاً بقوة أو ضعف الاقتصاد، واعترفنا أن هناك علاقة طردية بينهما، فإن كان الاقتصاد قوياً، كانت عملية التوظيف سهلة وسلسة، والعكس بالعكس، خلاصة القول إن ملف التوظيف يعتمد على نظرتنا له، فإن نظرنا له بشكل منفرد أو منفصل فسوف يتكرر المشهد المقلق كل ستة أشهر، ولكن إن أردنا أن نحل الموضوع بشكل جذري ومُستدام، فيجب أن تكون هناك "إرادة حكومية" حقيقية لتقوية وتوسعة الاقتصاد وإشراك جميع الجهات ليقوم كل طرف بما يجب أن يقوم به من أدوار والعمل بشكل مؤسسي مرتبط بمؤشرات أداء يمكن أن تقاس وتقيم وتعدل، غير هذا، سنعود إلى المربع الأول والمربع المقلق.