عبيدلي العبيدلي
تفصلنا عن انتخابات المجلس النيابي 2018 البحريني مسافة أقصر مما تبدو للكثيرين من المنخرطين في العمل السياسي اليوم. فالشهر الكريم على الأبواب، وسينهمك الجميع في دورة اجتماعية مكثفة تتمحور حول الزيارات المتبادلة للمجالس الرمضانية، بعدها تلج البحرين جولة قضاء العطل الصيفية، التي تنتزع حرارة أشهرها نسبة لا بأس بها من السكان نحو بلدان أخرى تلهيهم عن كل ما له علاقة بالسياسة وهمومها، ومن بينها الانتخابات النيابية. رغم ذلك، يبدو كما تكشف أجواء فضاءات محتوى قنوات التواصل الاجتماعي، أنّ هناك ما يشبه الخمول في عضلات مكوّنات العمل السياسي. وهذه الظاهرة لا تقتصر أجواؤها على الجمعيات السياسية، فحسب، بل تشمل منظمات المجتمع المدني، سوية مع الدوائر الحكومية ذات العلاقة.
ورغم أهميّة رؤية هذه الحالة الساكنة وتشخيص أسبابها، لكن هناك مستجدات أخرى محلية وإقليمية، بل وحتى عالمية للبعض علاقات مباشرة، والآخر منها غير مباشرة، بما نتحدث عنه، يمكن رصد الأهم بينها في النقاط التالية:
1. غياب مباشر وتشريعي، لبعض الجمعيات المهمة عن ملعب الانتخابات، بعد القانون الذي حرم على أعضاء تلك الجمعيات، ممن طالهم قانون الحل، من حق الترشح، الأمر الذي يحظر عليهم المشاركة في الانتخابات القادمة. ورغم أنّ البعض منها سبق له أن قاطع انتخابات سابقة، لكن هناك فرق نوعي شاسع بين قرار ذاتي، مهما بلغ خطأه، وحظر قانوني يفرض المقاطعة. الإشارة إلى هذه المسألة تكتسب أهميتها من مدخلين: أولهما، أنّ غياب تلك الجمعيات سيرفع حظوظ مرشحي جمعيات أخرى في الفوز من جانب، ويتيح المجال أمام الشخصيات المستقلة كي تدخل الحلبة دون أن تمارس عليها ضغوط اجتماعية تمنعها من ترشيح أنفسها، من جانب آخر. الثاني أنّ منافسات من طراز جديد ستطفو على السطح، وتكشف عمق الخلافات في معسكر، كان الجميع يتوهم أنّه، إنّ لم يكن موحدا في الموقف من المترشحين، فهو غير ممزق كما ستكشف عنه الانتخابات القادمة.
2. وعلى المستوى المحلي أيضًا، وما لم تحدث مفاجآت غير متوقعة، أو جهود مكثفة تبذلها الجهات ذات العلاقة من أجل استعادة الانتخابات النيابية زخمها خلال الذي تمتعت به الدورات السابقة، فمن المتوقع تراجع نسبة المشاركة، وهو أمر لا بد من التنبه له في مرحلة مبكرة، حيث إنّ هناك بعض القوى المتربصة بالمشروع الإصلاحي التي تدرك أنّ الانتخابات هي الخاصرة الرخوة التي يمكن توجيه طعنة له من خلالها. وبالتالي، لا بد من العمل وبشكل سريع لتحاشي مسألتين، في غاية الأهمية في هذا الاتجاه: أولهما ضمان مشاركة أكبر عدد ممكن من الجمعيات السياسية ممن يحق لها المشاركة، وثانيهما، حث المواطن على ممارسة حقه الانتخابي، حتى وإن ألقى بورقة بيضاء في صندوق الاقتراع.
3. أمّا على المستوى الإقليمي، فتأتي الانتخابات النيابية في ظل أزمة خليجية غير مسبوقة، ودون الحاجة إلى الدخول في تفاصيلها، فمن الطبيعي أن تستحوذ هذه الأزمة على نسبة، لا ينبغي التقليل من أهميتها، أو الاستهانة بها، من جهود مكونات العمل السياسي البحريني، خاصة تلك الضالعة بشكل مباشر في العملية الانتخابية. وما لم تجد هذه الأزمة طريقها إلى الحل، وهو أمر لا يلوح في الأفق، فمن الطبيعي أن يتطلب نجاح الانتخابات، ووصول المشاركة إلى النسبة المتوخاة، جهودا مكثفة لضمان سير العملية الانتخابية في طريقها الآمن، ووفقا للمعايير الدولية المتعارف عليها.
4. وفي النطاق الإقليمي أيضا، هناك الأزمة الشرق الأوسطية بكل تعقيداتها، التي تبدأ من عواملها المحلية مثل العربدة الإسرائيلية ورفض الكيان الصهيوني الكف عن سياساته التوسعية، مع كل ما يصاحبها من عمليات قمع لا إنسانية يعاني منها الشعب الفلسطيني، مرورا بالإصرار الإيراني، هو الآخر، على نيل حصة الأسد في أي إعادة رسم جديد لخارطة الشرق الأوسط المحتملة، انتهاء بحروب الاقتتال المتصاعدة، التي تكاد تصل في دول مثل سوريا إلى العبثية. ما يجعلنا نتوقف عند هذه الأزمات الشرق أوسطية، هو أنّ الدور الخليجي، لم يعد كما كان في السابق، هامشيا أو ثانويا، ومن ثمّ فنسبة عالية من الطاقات الخليجية، ومن بينها البحرينية تستنزفها مشروعات الأزمة العربية الأكثر شمولية، والأشد تعقيدا. الأمر الذي يقلص من هامش الجهود المبذولة لنجاح العملية الانتخابية المقبلة، ويمدها بالزخم الذي لا يمكنها الاستغناء عنه.
هذه الظروف المستجدة مجتمعة، تمارس وسوف تظل تمارس، أدوارًا سلبية فيما يتعلّق بمسارات انتخابات المجلس النيابي القادمة، وستكون نتائجها وخيمة، ما لم يتم التصدي لها، وفي مرحلة مبكرة تسبق الانتخابات. هذه الالتفاتة المبكرة الهادفة إلى الحث على إنجاح انتخابات المجلس النيابي، وضمان وصول أفضل الكفاءات إلى مقاعده، ترتكز على قائمتين رئيستين:
- تكثيف جهود مكوّنات العمل السياسي البحريني كافة من أجل الوصول إلى تحشيد يعيد للانتخابات النيابية زخمها، ويؤكّد استمرار تطور المشروع الإصلاحي وتقدمه. نجاح هذا الحشد رهن باقتناع تلك المكونات، دون مواربة أو البرلمان، وتحت قبته ينبغي أن يكون الساحة التي تحتدم في أطرها الخلافات، ووفق قوانينها وتشريعاتها يتم حل تلك الخلافات والوصول إلى اتفاقات بشأنها. هذا لا يلغي دور الجمعيات السياسية خارج البرلمان، ولا إسهامات منظمات المجتمع المدني بعيدا عن قبته.
- تبلور كتل سياسية منظمة، تحمل قناعات مشتركة، يتمحور عملها حول قضية مركزية واحدة هي كيفية انتشال البرلمان البحريني من حالة الجمود التي يعاني منها، وفي الوقت ذاته، الارتقاء بأداء ذلك البرلمان، كي لا يفقد الثقة التي يبحث عنها في صفوف الجماهير المتعطشة لبرلمان ناضج وقوي في آن.