الرسائل الصباحية والمسائية

طالب المقبالي

كُنت يوماً، ولا أزال، أحد المتذمِّرين من الرسائل الصباحية والمسائية؛ لكثرة المضافين بسجل هاتفي، ولكثرة الأصدقاء والأصحاب في مختلف وسائل التواصل الاجتماعي.

ولهذا لا أرد على هذه الرسائل، ولا أبادر بإرسال مثلها لأصحابي؛ لأنها في اعتقادي مزعجة، وهناك من يشاطرني الرأي عندما أطرح موضوعاً يعبر عن امتعاضي لكثرة هذه الرسائل. وفي المقابل، هناك أشخاص يخالفونني الرأي، ويعتبرون مثل هذه الرسائل تواصلًا جميلًا في الصباح والمساء، كما يعتبرون رسائلَ الجُمعة فيها عِظات وتذكير بالله سبحانه وتعالى وتقربٌ إليه، وغالب هذه الرسائل تحملُ أدعية ومواعظ دينية، وتذكيرًا بالآخرة.

لا أُنكر أنَّ بعضَ هذه الرسائل تستوقفني؛ لأنها تحمل عبارات جميلة وأدعية وأذكارَ الصباح والمساء نحن بحاجة إليها، وقد لا نحفظها عن ظهر قلب، كما أنَّ بعضها يحمل أقوالاً وحِكماً وفتاوى لعلماء ثقات. وأحيانًا تحمل هذه الرسائل مقاطع صوتية لأعذب قراءات القرآن الكريم، كما تحمل مقاطع لأناشيد وقصائد دينية وعظية.

كل هذه الأمور نجدها في هذه الرسائل، وبالرغم من ذلك لم يتغير رأيي، فما زلتُ من المعارضين لمثل هذه الرسائل، خاصة وأن البعض اتَّخذها عادة ضرورية في حياته اليومية، والغريب أن البعض استحدث رسالة يومية ثالثة اسماها الساعة العاشرة، فيُوزِّعها عند الساعة العاشرة ليلاً عندما يتهيَّأ معظم الناس إلى النوم.

... لقد أصبحتْ هذه الرسائل تُزَاحِم المجموعات التخصصية المفيدة، ومجموعات العمل، ومجموعات المناسبات. فبمجرد أن يُضاف شخص في مجموعة ما، لدورة أو ورشة تدريبية أو مهمة عمل مؤقتة، يُبادر بإرسال رسائل الصباح أو المساء، كأول إطلالة له في تلك المجموعة، وقبل حتى أن يلقي السلام على الموجودين.

فلعل مثل هذه الرسائل مفيدة، وربما تكون ضرورية للشخص الذي أوشك على التقاعد من العمل للتواصل بين الأصدقاء والزملاء الذين يلتقيهم كل صباح؛ حتى يستمر التواصل وإن كان عبر هذه الرسائل. فالتفكير في المرحلة المقبلة بعيداً عن هؤلاء الأصحاب الذين قَضى الإنسان معهم أجمل الأوقات يكون مؤلمًا؛ وبالتالي تصبح مثل هذه الرسائل حلقة وصل بين المتقاعد وأصحابه الذين تركهم، وهنا ينتقل الإنسان من مرحلة النشاط والجد والعمل إلى مرحلة أخرى ربما قد تم التخطيط  لها مسبقاً، وقد تصبح مثل هذه الرسائل هي الوسيلة الأسهل للتواصل ما لم يكن بالإمكان التواصل الجسدي.

فالإنسان من الأنس، وطبعه اجتماعي، ولا يستطيع التعايش بدون الآخرين، وسيبقى الإنسان على تواصل دائم مع أخيه الإنسان؛ فيلتقي بالناس في المسجد أو السبلة أو السوق أو العمل، وفي المناسبات الاجتماعية كالأفراح والأتراح، وتبقى الرسائل اليومية هي بمثابة بلسم يتسلل إلى نفوسنا ليمدنا بالطاقة التي نحتاجها كل يوم بعيداً عن الأصدقاء، كما أن مثل هذه الرسائل لا تأتينا إلا من شخص يودنا، ومِن مُحب حريص على هذا التواصل.

قد يلجأ البعض إلى القيام بحظر الآخرين في هاتفه لأنهم متواصلون معه بالرسائل الصباحية والمسائية ورسائل الجمعة، ولو فكَّرنا قليلاً أن المحب وحده من يتواصل معك ولا يزال يذكرك ويصبِّح عليك ويمسِّي عليك، وإن كان قد وضع رقمك ضمن الرسائل الجماعية التي ربما البعض قد نسي أنه أضافك ضمن قائمته، بدليل إذا قمت بالرد على رسالته يُعيد إليك الرسالة التي أرسلها لك سابقاً ضمن القائمة، وهو لا يعلم أو نسي أنه قد أضافك في قائمته، وأنه المبادر بالإرسال.

الجانب المزعج في الرسائل الجماعية ليس الرسائل الصباحية والمسائية ورسائل الجمعة، وإنما تلك الرسائل التي ينسخها البعض من المجموعات فيُعيد إرسالها إليك وإلى الآخرين عبر الرسائل الجماعية، وتكون أنت قد اطَّلعت عليها لأنك مُشترك في مجموعات كثيرة، ولست بحاجة إلى إعادة الإرسال عبر رسائل خاصة؛ وبالتالي تصبح مزعجة.

ونصيحتي لمن أنشأ قوائم رسائل جماعية أن يتحاشى نقل ما يُنشر في المجموعات؛ فهناك من لديه عشر مجموعات، ومنهم من لديه عشرون وأكثر.

ذات يوم ذكرت في إحدى المجموعات أن لديَّ قرابة ثلاثين مجموعة، فرد عليَّ أحدهم وقال: "ماذا لو عرفت أن لديَّ سبعًا وتسعين مجموعة؟!!".

muqbali@gmail.com