الاستثمارات الثقافية

لا شك أنَّ التقدم الاقتصادي لا يعني فقط ارتفاع معدلات الناتج المحلي الإجمالي أو زيادة إيرادات الدولة من مختلف الموارد، أو نمو القطاعات الاقتصادية الرئيسية مثل التجارة والزراعة والصناعة والسياحة، وغيرها، بل إن ثمة استثمارات أخرى تسهم في تحقيق التقدم الاقتصادي، إذا ما تمَّت إدارتها بطريقة احترافية تتجاوز التحديات وتتعاطى مع ظروف العصر.

من بين هذه الاستثمارات الواعدة، الاستثمارات الثقافية، والتي تختص بضخ رؤوس الأموال، سواء حكومية أو خاصة، في مشروعات ثقافية تدر عائدًا مادياً من جهة، وتسهم في تحقيق نقلة نوعية في الوعي الثقافي للمجتمع من ناحية أخرى. ولا أدل على ذلك من استثمار دور النشر العالمية في مشروعات إنتاج الكتب والأعمال الأدبية المميزة، والتي تحقق أعلى معدلات بيع، بل إن كتابا واحدا ربما يخلد ذكرى معينة في أذهان العالم، ويتحول ذلك الكتاب إلى استثمار طويل الأمد، يظل ريعه متحققا على مدى سنوات ممتدة.

والاستثمار في الثقافة لا ينحصر فقط على نشر الكتب، بل ينبغي أن نُسلط الضوء على الاستثمار في إنشاء المسارح ودور السينما، ولدينا من المبدعين والطاقات الشبابية المختلفة ما يساعدنا على إنجاز مثل هذه الأهداف. ولنا في تجارب دولية المثل، فهناك الهند التي نجحت أن تؤسس مدينة بوليوود السينمائية التي باتت تنافس بقوة مدينة السينما الأولى في العالم هوليوود الأمريكية. فهذه المدينة استطاعت أن تحقق إنجازات عديدة، منها زيادة الوعي الفكري والثقافي للمشاهد في الهند ودعم جهود محو الأمية الفكرية، من خلال إنتاج أفلام تستهدف النهوض بالوعي المجتمعي تجاه قضية معينة، كما إن المدينة تنتج أكثر من 1300 فيلم سنويًا، بعائدات تتخطى حاجز التسعة مليارات دولار، فكم من شباب حصل على وظيفة في ذلك القطاع وكم من ضرائب تجنيها الحكومات والكثير من الفوائد الأخرى.

وليس ببعيد عن السينما، يأتي الإنتاج الدرامي، ورغم أن الجدل مثار حول اعتبار السينما والدراما من عناصر الثقافة أم لا، فإنّ ثمة حقيقة واحدة تؤكد أنَّ هذه الفنون تعمل في جانب كبير منها على الارتقاء بالوعي والمعرفة، فضلاً عن كونها صناعة حقيقية ينبغي الاستفادة مما تقدمه من فرص.

تعليق عبر الفيس بوك