الاستثمار في الشباب ليس ترفا

خلفان الطوقي

لا يُمكن للإنسان الواعي أنْ يشكَّ بأن العالم يمر بمنعطفات خطيرة على جميع الأصعدة، فما إن تنتهي أزمة إلا وتظهر ملامح أزمة أخرى؛ وما علينا إلا أن نؤمن بأنَّ هذه الظواهر أصبحت جزءًا من طبيعة الحياة؛ وعلينا أن نتعامل معها كجزء من الحياة اليومية، لكننا نبقى مُخيَّرين بأن نتعامل معها بحرفية ومهنية أو بتخبط وإهمال.. والحكمة والمنطق يقولان بأن علينا أن نتعامل مع هذه الأزمات المتلاحقة بمهنية عالية والاستعداد لها بل والتنبؤ بها قبل وقوعها؛ وهذا ليس بالأمر السهل، لكنَّ ذلك يتطلب خلق كفاءات بشرية مؤهلة ومحترفة، تستطيع أن تتعامل مع كافة السيناريوهات، مهما كانت متشابكة أو معقدة.

إذا أردنا أن نُطبِّق هذا الكلام على الواقع العُماني، خاصة مع بداية النهضة الحديثة للسلطنة، ستجد أنَّ مولانا السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- استدعَى كلَّ الكفاءات العمانية من كل أنحاء العالم، كما أنه استقطبَ كفاءات غير عمانية لتقديم الدعم والتوجيه والمساعدة في إرساء أركان الدولة؛ فما وصلت إليه الدولة لم يكن محضَ صُدفة، وإنما عملٌ حثيث امتدَّ عشرات الأعوام. ومن خلال كفاءات مؤهلة هم آباؤنا وأجدادنا أصحاب الخبرات التراكمية ممن عملوا بكل إخلاص وأمانة لنرى ما نراه واقعا اليوم من قوانين وتشريعات وهيئات وسلطات وملامح واضحة للدولة الحديثة، فإن هذه المسيرة تحتاج أن تكتمل أركانها وتستمر وتتطور، مهما عصفت بها التحديات والمطبات، وتغيرت الإحداثيات والأحداث.

وكما اتفقنا في بداية المقال، بأنَّ العالم يمر بمنعطفات وتحديات وأزمات بمختلف أنواعها؛ ولأنَّ ما يهمنا هنا أو محور حديثنا هو بلدنا عُمان؛ لذلك ولكي تستمر مرحلة الإنتاجية والتنمية فلابد من خلق كفاءات وقيادات شابة مؤهلة لتكمل حمل أمانة الدولة الحديثة، ولتستمر ثمار النهضة المباركة يانعة؛ ولا يتأتَّى ذلك إلا من خلال وعي رؤساء الوحدات الحكومية كافة بحجم المسؤولية الوطنية الملقاة على أكتافهم؛ وضرورة إعطاء ملف تأهيل وتطوير فئة الشباب أهمية قصوى؛ وذلك من خلال خلق صفٍّ ثانٍ وثالثٍ يُكمل مسيرة الصف الأول التي بدأت منذ السبعينيات.

لابد أن لا تكون جملة "الاستثمار في الشباب العُماني" جُملة عابرة، أو مطاطية، أو عنواناً جميلاً يظهر في وسائل الإعلام المختلفة؛ وإنما يجب أن يكون بندا رئيسيا في كل أجندات العمل الحكومي، تقابله حقائق وأرقام وإحصائيات تظهر حجم الاستثمار الذي طال وسيطول فئة الشباب عند إصدار التقارير السنوية، كما يجب تسمية البرامج الممنوحة لهم من تدريب وتعليم نوعي وتأهيل وترقية ودوران وظيفي ومنح صلاحيات إضافية ومساحات للتحرك داخل جهات عملهم؛ وبذلك ستنتقل العدوى الإيجابية إلى كافة مؤسسات القطاع الخاص والمجتمع المدني لتصبح ثقافة منتشرة فيما بيننا.

إنْ أردنا لعُمان أن تكون وتظل يانعة شابة؛ فمن الضروري مزج النضج والحكمة والخبرات التراكمية بجيل التكنولوجيا الحديثة والشباب المليء بالحيوية والإقدام والمخاطرة؛ هذا المزيج هو ما سيشكل عُمان الغد، وكما أسلفتُ لا يتم ذلك إلا من خلال إرادة سياسية ووعي ورؤية وخطة عمل وبرامج تأهيلية وتدريبية حديثة ومهارات تخطيطية تتوافق مع الإحداثيات والمتغيرات العالمية السريعة، وسط منافسة حادة من الشرق والغرب؛ لذلك فالاستثمار في الشباب العُماني ليس خيارًا، بل ضرورة مُلحَّة إذا ما أردنا أن نحافظ على أمجاد عُمان منذ نشأتها إلى آخر يوم في الحياة.