المشاركة الواعية في انتخابات 2018 بالبحرين.. استحقاق وطني

 

عبيدلي العبيدلي

يعتبر العام 2018 من الأعوام المميزة، سياسيا، في تاريخ البحرين المعاصر. ففي هذا العام شهدت البحرين انتخابات غرفة تجارة وصناعة البحرين، وبغض النظر عن كل ما قيل، ويمكن أن يقال عن تلك الانتخابات ونتائجها، فهي في محصلتها كانت إيجابية للأسباب التالية:

  1.  حرّكت المياه الراكدة التي كانت تشوب العمل المجتمعي البحريني. لا يمكننا القول بأنّها شكلت نقلة نوعية، لكن يمكن الجزم، بأنّها شكلت حالة متميزة في تاريخ الغرفة الانتخابي، سواء من حيث تشكيل الكتل الانتخابية، أو طريقة خوض الانتخابات، أو البرامج التي تبنتها بعض الكتل، وخاصة الرئيسة منها. فخرج هذا البعض عن القوالب التقليدية، وامتلك الجرأة المطلوبة لتبني برامج، تداخلت فيها المهمات المهنية مع تلك السياسية، محكومة جميعها بخلفية اقتصادية تستحق التوقف عندها. 
  2.  كانت بمثابة الاختبار لانتخابات المجلس النيابي القادمة (مجلس 2018)، سواء خلال عملية الترويج لبرامج الكتل المختلفة، أو عند الحديث عن أساليب الاتصال والتواصل مع الناخبين، أو حتى طرق تكوين الكتل ذاتها. بل يمكن للمراقب أن يذهب إلى ما هو أبعد من ذلك فيعتبرها نوعا من "البروفة" لانتخابات المجلس النيابي القادمة. العامل المشترك في تلك الأنشطة كافة، كان الخروج عن المألوف، والتفكير خارج الصندوق. هذا يحمل في ثناياه رسالة مباشرة للقوى السياسية كي تعيد النظر في سياساتها وأساليبها عندما تتعاطى مع منظمات المجتمع المدني، أو تخوض تجربة المشاركة في انتخابات المجلس النيابي.
  3. ارتفاع نسبة المشاركة الشبابية، سواء في صفوف الكتل الانتخابية، أو بين من ترشح بشكل منفرد. وفي مثل هذه الظاهرة مؤشر قوي على اهتمام الشباب البحريني، بخلاف ما يجري ترويجه من أن الشباب البحريني لم يعد يهتم بشيء سوى "اللهو" بوسائل التواصل الاجتماعي، أو أنّ الشباب أصبح منكفئا عن كل ما هو مجتمعي، ويحصر نفسه في القضايا الشخصية، وخاصة التجارية منها. ويمكن لمن يريد أن يبني على ذلك ان يؤسس لعمل مجتمعي متطور، يعتمد، إلى درجة كبيرة على الشباب، أكثر من سواهم، دون التفريط في الخبرة التي يملكها من تجاوز عمر الشباب.
  4. ابتعاد الجمعيات السياسية عن تلك الانتخابات، وتحاشيها الإفصاح عن موقفها منها. هذا لا يعفي حتى تلك الجمعيات التي فقدت حقها الدستوري من التلميح بشكل غير مباشر، بل ربما المشاركة بشكل غير مباشر، كي تترك بصماتها الواضحة، إن كان في وسعها تحقيق ذلك، على سير العملية الانتخابية ونتائجها. ربما كانت الأوضاع الراهنة معقدة بعض الشيء، لكن ذلك لا يعفي الجمعيات السياسية من أن يكون لها حضورها، مهما كان هذا الحضور باهتا، كي تثبت للمجتمع التجاري البحريني أن عملية انتخابات الغرفة تقع في صلب برامج تلك الجمعيات، ولا تغيب عن اهتماماتها.

كان ذلك على مستوى انتخابات الغرفة. لكن على المستوى الآخر هناك انتخابات المجلس النيابي القادمة في العام 2018 أيضا. وفي ضوء تلك الانتخابات، وتأسيسا على نتائجها، يمكن الخوض فيما هو متوقع، وما هو المطلوب من المواطن البحريني وقواه السياسية ومنظمات مجتمعه المدنية، عند الحديث عن الانتخابات النيابية لمجلس 2018. وهنا ينبغي التأكيد على القضايا التالية.

  1. الصورة المتكونة خلال الفترة التي انقضت على انتخابات 2014، تقسم المجتمع الانتخابي إلى مجموعة من الفئات، الأبرز بينها: فئة باتت غير آبهة بالانتخابات، وترى أنّها لا تعنيها في شيء، من قريب أو بعيد، ومن ثم فهي لن تكلف نفسها حتى مجرد الذهاب إلى صناديق الاقتراع والإدلاء بصوتها، حتى وإن كان ذلك الصوت ورقة بيضاء. الفئة الثانية قررت مقاطعة الانتخابات والترويج لمبدأ المقاطعة، كي تخفض، قدر المستطاع نسبة التصويت. أما الفئة الثالثة فهي التي ستذهب للتصويت، لكنها لم تقرر بعد لمن ستعطي صوتها، والأمر لن يتغير حتى بعد الإعلان عن أسماء المترشحين. الفئة الرابعة، هي تلك الفئة الواعية، التي ترى في الانتخابات واجبا وطنيا، ومن ثم فهي لن تكتفي بالتصويت، وإنما لديها مقاييس صارمة وواضحة لمن سوف تعطي صوتها.
  2.  انقسام عمودي في الجمعيات السياسية في موقفها من الانتخابات النيابية القادمة بين موافق على المشاركة، ومقاطع لها، ولكل منهما أسبابه الخاصة به التي يبرر من خلالها ذلك الموقف، الأمر الذي من شأنها شطر الشارع البحريني إلى نصفين بغض النظر عن ثقل كفة كل واحد منهما فيها. مثل هذا الانشطار، ينذر بتشظٍ فطري (من فطر) يهدد مكونات السلم الاجتماعي، وينذر بتداعيات سلبية يصعب التكهن بنهاياتها التي لن تكون سوى سلبية في كل الظروف.

تأسيسا على كل ذلك تنتقل المشاركة من مجرد حق سياسي بنى بيئته الصحيحة ميثاق العمل الوطني، وهيأ الظروف المناسبة له دستور البلاد، إلى استحقاق وطني تقع مسؤوليته على عاتق من يحاول أن يؤسس لتحول تدريجي غير مكلف نحو مجتمع بحريني أكثر ديمقراطية، وأكثر تمثيلا لمواطن يصر على أن يتشبث به.

قد يكون هذا الاستحقاق شاق على البعض، وربما يكون مكلف للبعض الآخر، لكنّه في نهاية المطاف ممارسة لا ينبغي التفريط فيها، كي نضيع الفرصة من أمام كل من يحاول أن يدير عقارب الساعة للوراء، ويرجع الواقع السياسي البحريني إلى مرحلة ما قبل الميثاق الوطني. فالخوف كل الخوف هنا العودة إلى مرحلة "قانون أمن الدولة" السيء الصيت، وعودة البحرين مرة أخرى إلى مرحلة ما قبل المشروع الإصلاحي.

 كل ذلك يعني أنّ المشاركة في انتخابات المجلس النيابي هي استحقاق وطني، من الخطأ القاتل التفريط فيه، ومن غير المنطقي عدم الاستماع لصوته، وهو الصوت الذي سيحافظ على المكتسبات التي نالها شعب البحرين عبر سنوات من النضال وعقود من التضحيات.