العلاقات التركية العُمانية.. رؤى مستقبلية وتعاون مشترك

محمد قدو أفندي أوغلو – - أنقرة - تركيا


أجمع الباحثون على أن العلاقات التركية العُمانية منذ نشأتها وتطورها في في بدايات العقد السابع من عام 1700 الميلادي وحتى الآن لم تشب صفوتها أية ملاحظات أدت إلى تراجع تلك العلاقة الحميمة، بل كانت تتميز دوما بالاحترام المتبادل والتقدير للمواقف المشرفة للطرفين.
قديمًا ومع بداية عام 1773 أُصيبت مدينة البصرة وقد كانت ولاية عثمانية بمرض الطاعون الذي حصد عشرات الآلاف من سكانها وبدل أن تتقدم الأيادي لها لمواساتها وتضميد جراحها وتقديم العون لها استغل الإيرانيون الضعف والهوان الذي مرّ علىالولاية فهاجمتها القوات الإيرانية في مطلع عام 1775 وخلال سنة من تلك الهجومات المتعاقبة التي كانت بقيادة كريم خان، ومن بعده صادق خان, حيث تعرضت المدينة إلى الخراب والدمار, حينها استنجد أهل البصرة بالإمام أحمد بن سعيد حاكم عُمان والذي تولى مسؤولية  السلطنة قبل أشهر قليلة, فلبى النداء وأرسل جيشه بقيادة ابنه الأكبر هلال ليقود أسطولا من 34 سفينة كبيرة مزودة بالمدفعية مع عدد من المراكب الأخرى الصغيرة, حيث استطاع العمانيون دخول مدينة البصرة ومناصرة أهلها والتخلص من الحكم الإيراني الذي اضطر إلى توقيع معاهدة مع الوالي العثماني ضمنت انسحابه من المدينة.
بعدها أصدر السلطان العثماني عبد الحميد الأول (1774- 1789 ) فرمانا يقضي بتخصيص مكافأة سنوية لعُمان وتوسيع نطاق التعاون الاقتصادي والسياسي في المنطقة مع توسيع الامتيازات التي يحصل عليها التجّار والبحّارة العمانيون في موانئ الدولة العثمانية ردًا للجميل الذي أبداه العمانيون لنجدة إخوانهم من أهالي البصرة مع التقدير الذي ناله الإمام أحمد بن سعيد منن السلطان العثماني امتنانًا لموقفه النبيل والمشرف.
ونظرا لاستمرار الأطماع الفارسية واستمرار حملاتها وتحرشاتها مع عُمان وانتصار العمانيين فيها وخشية من أن تؤدي حملات نادر شاه إلى عدم تمكُّن العمانييين من صدِّها ولغرض دعم العمانييين سارعت الدولة العثمانية بتوجيه من السلطان العثماني عبد الحميد الأول لوالي بغداد بتقديم الدعم للإمام أحمد حرصا على بقاء عُمان قوية وقادرة على صد الأطماع المتلاحقة من الفرس.
وقد استمرت المراسلات والعلاقات الودية بين السلطان عبد الحميد الأول والإمام أحمد بن سعيد. فقد كان السلطان العثماني يكاتب الإمام ويخبره بكل ما يحدث في البصرة في تلك الفترة، وعندما أراد السلطان العثماني عقد الصلح مع الفرس حرص السلطان على أن يستشير ويخبر الإمام أحمد بالصلح وهذا يدل على عمق الروابط والصلات بين الدولة العمانية والإمبراطورية العثمانية.
 وحديثا لعبت سلطنة عمان أدوارا محورية في الكثير من القضايا التي تهم المنطقة وهذا بطبيعة الحال يعكس الاستقلالية التامة في إجراءاتها وقراراتها ولهذا فهي مهيأة للعب أدوار الوساطة في القضايا الإقليمية والعربية وقد سعت الى التغلب على الأزمة النووية الإيرانية وكذلك دخلت كدور وسيط لحلحلة الأزمة المستعصية في اليمن.
وأخيرا لعبت عُمان دورا مهما في التغلب على أزمة قطر مع دول الخليج العربي وهي بهذا تكون قد سارت على الخطى نفسها التي سلكتها القيادة التركية في تلك الأزمات, وعلى الرغم من حيادية الموقف التركي والعماني من الأزمة الأخيرة أي المسألة القطرية , لكن قد حسب وقيم من قبل البعض بأنها أكثر تقربا لقطر.
 
وعلى الرغم من الاختلاف الواضح في درجة الانخراط في الأزمات القائمة بين تركيا وقطر ورغم سعي العمانيين إلى جعل علاقاتهم مع الدول الأخرى تقليدية ومنها تركيا, ألا أن الانقلاب الأخير الذي حدث في تركيا - والذي مازالت أسراره تتكشف يوما بعد آخر - قد أظهر تعاطفا من الجانب العماني للحكومة التركية فقدرأرسلت برقية تضامن مع السفير العماني في أ111نقرة قاسم بن محمد الصالحي تضمنت أيضا ادانة لمحاولة الانقلاب ضد الحكومة الشرعية في تركيا.
ورغم أن المسؤولين في البلدين يصفون العلاقات الثنائية بينهما بالممتازة ألا أن وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو يرى أن الأمر السلبي في العلاقات الثنائية بين البلدين هو قلة الزيارات المتبادلة بينهما و جاءت تلك التصريحات في الزيارة السابقة التي قام بها الوزير جاويش اوغلو لمسقط
وفي لقاء آخر سابق كان قبيل تلك الزيارة بين وزير الخارجية التركي أحمد داود أوغلو مع نظيره العماني في أنقرة والذي لبّى دعوة رسمية لزيارتها من قبل الوزير التركي أكد فيه الأخير خلال اللقاء بأن العلاقات التركية العمانية استمرت منذ القرن السادس عشر ولم تواجه منذ ذلك الوقت أي عقبات, في حينها ابدى الوزير العماني دعم السلطنة لمساعي تركيا في الترشح للعضوية الغير الدائمة في مجلس الامن الدولي لعامي 2015 -2016 .
وغالبا ما يعتمد المراقبون والمحللون السياسيون على مؤشر : (العلاقات الاقتصادية) كمعيار تحكيمي لتقييم العلاقات الثنائية فبعد سلسلة من اللقاءات الثنائية بين مسؤولي البلدين ورغبة من الطرفين في دعم وزيادة التبادل التجاري من 300 مليون الى مليار دولار في عام 2014م, وفي ما يخص مجال الشراكة في المشروعات فقد تم إنجاز الكثير من المشاريع المختلفة في جميع أنحاء السلطنة, حيث يبلغ حجم الاستثمارات التركية في السلطنة إلى 8 مليارات دولار بجهد عشرين شركة تختص في مجال البناء والتشييد, أما عن الاستثمارات العمانية في تركية فهناك 11 شركة عمانية تعمل في مجال التعدين والاستيراد والتصدير والعقارات ولكن النسبة المئوية توضح حجم الفارق الكبير بين الاستثمارات التركية في السلطنة وبين الاستثمارات العمانية في تركيا.
وفيما مايخص التعاون في مجال التصنيع العسكري فقد تمّ الاتفاق في عام 2015 على توريد 172 مدرعة بنوعيها بارس 8×8-3 و6×6-3 متعددة المهام ثماني الدفع , تخص تشكيلات قوات المشاة الميكانيكية والقادرة على العمل في اصعب مسارح العمليات وهذه تعتبر باكورة التعاون في مجال التصنيع العسكري
 والمؤشرات المتتالية تؤكد أن الدولتين التركية والعمانية ماضيتان في توسيع نطاق حجم التجارة البينية وكذلك زيادة المساهمات الاستثمارية وتطويرها من خلال الزيارات المتبادلة  للمسؤولين الاقتصاديين في البلدين ومنها على سبيل المثال زيارة نائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية التركي محمد شيمشيك إلى مسقط حيث ناقش مع المسؤولين العمانيين العلاقات المالية والتجارية بين البلدين وسبل تطويرها إضافة إلى ترأسه أعمال اللجنة العُمانية التركية المشتركة, وقد أكد الطرفان رغبتهما في تطوير العلاقات الاقتصادية بين الجانبين وبدوره رأى شيمشيك أن تطوير العلاقات التجارية بين البلدين على مستوى القطاع الحكومي والخاص والمؤسسات الصغيرة والمتوسطة هو الأمل المرجو في المستقبل.
وزيارة وزير الخارجية الأخيرة إلى مسقط وكذلك مشاركة وترأس معالي الدكتور يحي بن محفوظ المنذري رئيس مجلس الدولة العماني أعمال القمة الثالثة عشر لمنظمة التعاون الإسلامي والذي عقد في إسطنبول في نيسان / إبريل الماضي.
 
.. وتأتي زيارة الرئيس أردوغان إلى سلطنة عمان تتويجا للفعاليات السياسية والدبلوماسية التي قام بها مسؤولو الدولتين ورغم أن هدف الزيارة المعلن تناول موضوعا رئيسا هو العمل المشترك من أجل البحث عن أمن واستقرار المنطقة وباعتبار أن التعاون بين البلدين يأخذ أهمية استراتيجية في أعقاب الأزمة الخليجية مع قطر وماتبعتها من مخاوف حول الاستقرار الأمني في الخليج عموما, وباقي الأزمات الإقليمية ومارافقتها من تطورات والتقارب في وجهات النظر بينهما وطريقة تناولها ومعالجتها تحتم أن يكون خيار التعاون بين البلدين هو الخيار الوحيد والأمثل, وبطبيعة الحال فإن الزيارة لابد لها أن تكون فاتحة أمل لآفاق جديدة في مجال التعاون السياسي والاقتصادي بين البلدين.

تعليق عبر الفيس بوك