لا تسألوني عما سبق !

 

سيف بن سالم المعمري

يشعر بعض المسؤولين الحكوميين بالثقة المُطلقة في إدارتهم للمؤسسة، فيتصرفون في مواردها البشرية والمادية حسب أهوائهم الشخصية، وباعتباراتهم الضيقة، وكيفما يشاءون، فتترهل مؤسساتهم، وتتقاذفها المناكفات الشخصية بين الموظفين فيها، وتصبح مسرحًا لتصفية الحسابات بين بعضهم البعض، ويؤثر ذلك سلباً على سير عمل المؤسسة، ويستميت المسؤولون في الدفاع عن نجاعة إدارتهم، ويبررونها بمنطقيتهم التي لا يقبلها علم في الإدارة ولا عُرف مؤسسي.

وتمر الأيام ويتبدل المسؤول في المؤسسة ويُباشر مسؤول آخر، وفي أولى مواجهته بالموظفين وبالمجتمع وعندما يشعر بأنهم يضيقون ذرعًا بما آلت إليه مؤسستهم في زمن سلفه، وبعد أن يستصعب أن يواجه التركة الثقيلة لسلفه، يتنصل منها بمنتهى البساطة قائلاً : "لا تسألوني عمَّا سبق !" والتي تسقط على نفوسهم كالماء البارد، مطمئنين بأنّ عهدا مشرقا يساق لهم، وتتبدل الأيام ويغرق المسؤول في وحل من سبقه، ويأتي بعده مسؤول آخر، ويتعلل بذات العبارة وهكذا.

ترى ما الذي يدفع بمسؤولينا إلى توارث الفشل، والانزلاق بالمؤسسات إلى الأعباء المالية والإدارية المرهقة، وأين التخطيط والتنظيم، وأين الاستثمار الأمثل لموارد المؤسسة؟

أتحدث هنا عن قطاعات تنموية عديدة لم تدخر الحكومة جهدًا في سبيل تنميتها ووضع البرامج والخطط للرقي بها لتحقق قيمة مضافة للدخل القومي، وإن كنا – ولله الحمد- نلمس تطوراً في مختلف جوانب الحياة في السلطنة إلا أننا وصلنا إليها مع تراكم الخطط التنموية والسنوات، وكان يمكن أن نتجاوزها اليوم بمراحل أفضل لو كان المسؤول عرف حجم الأمانة الملقاة على عاتقه.

لا أعلم يقيناً ما هي الأسس التي يتم اختيار المسؤولين بمختلف مراتبهم الوظيفية في مؤسساتنا عبرها، لأنها حتما، أسس واعتبارات غير منهجية، ولا تحقق أدنى مهارات الإدارة السليمة للموارد، ونتائجها واضحة للعيان، وسأذكر بعضًا منها على سبيل المثال لا الحصر.

فعندما يقول مسؤول إنه لا يتحمل مسؤولية أي إخفاق في مؤسسته فيما مضى، ولا يجب أن يسأل عنه، وهو تبرير منطقي لذاته، لكنه ليس كذلك بالنسبة للمؤسسة، فمعرفة المسؤول الجديد بإخفاقات المؤسسة في عهد من سبقه، تحتم على الجهات الرقابية أن تباشر التحقيقات، وتتثبت من حجم الضرر الذي لحق بالمؤسسة، وتبدأ بالمحاسبة لمن تسبب في الضرر، ووضع خطوط حمراء لعدم الانزلاق فيها مرة أخرى، لمن هو على قمة هرمها الآن أو من سيأتي بعده.

وعندما يأتي مسؤول في مؤسسة أخرى، ويبرر الاستقالات الملحوظة في مؤسسته، والمناكفات المستمرة بين الموظفين، والقضايا المتعددة في المحاكم، ويبرر المسؤول حال مؤسسته بأنها في الطريق الصحيح، وإن ما يحدث فيها ظاهرة صحية، وأن الأقسام الفنية لا يشترط فيمن يديرها أن يكون فنيا، أو على دراية بطبيعة العمل الفني في القسم، وهو مطلوب منه مسؤولية إدارية فقط، فإنَّ ذلك حتما سيترك تركة ثقيلة لمن سيخلفه، وسيأتي حينها المسؤول الجديد في المؤسسة ويبرر إخفاقات من سبقه ويقول: "لا تسألوني عما سبق !".

وعندما تتكبد الحكومة المبالغ الطائلة للتعويضات عند الشروع في تنفيذ المشاريع ذات المنفعة العامة كالطرق مثلاً، فيتبادر إلى الأذهان الأسئلة التالية: أين المسؤول الذي لم يضع حساباً للتوسعات المستقبلية للطريق؟ ولماذا لم تعط المشاريع كالطرق والموانئ والمطارات والسكك الحديدية والمؤسسات العامة أحرامات تتناسب والتوسعات المستقبلية؟ ولماذا تمدد شبكات الكهرباء والاتصالات والصرف الصحي بمحاذاة المشاريع سالفة الذكر، والتي يتطلب في وقت لاحق إزالتها وتغيير مواقعها، ومضاعفة الكلفة المادية للمشروع وتغير مساراتها؛ نتيجة عدم وجود رؤية مستقبلية للتطور العمراني والتوسع في مشاريع الطرق والموانئ ..إلخ، ولو سألت مسؤول عن ذلك سيرد عليك : "لا تسألوني عما سبق !".

قبل يومين سمعت أحد المسؤولين وفي معرض حديثه عن رسوم المخالفات الحكومية بين ما كانت وما أصبحت عليه في مؤسسته، بأنها فيما سبق كانت باجتهادات الموظفين القائمين عليها، فبنفس بند المخالفة كان الموظف هو الذي يحدد سقفها الأعلى والأدنى، ويستطرد المسؤول قائلاً : أما الآن فأصبحت هناك بنود للمخالفات، ومبالغ محددة لا يمكن الاجتهاد فيها، ولا أعلم يقيناً على أي أسس بني مبدأ اجتهاد الموظف في تحرير مخالفات لمؤسسات خاصة، لا يوجد ضمان على شفافيتها وأحقيتها، وربما كانت سببًا لتعثرها، وأحيانا إغلاقها وهكذا، هل يمكن أن يستسيغ العاقل هذه الاجتهادات في دولة يحكمها القانون!

فلمن ستشفع "لا تسألوني عما سبق!" إن كانت سبباً في تعطيل وتعثر برامج ومشاريع تنموية عديدة في مجالات اقتصادية واجتماعية وتعليمية وصحية ونحوها، أليس من الأولى أن يتم وضع آليات صارمة لكل مسؤول يتولى مسؤولية معينة وتقيد ببرنامج زمني محدد لتنفيذها، بحيث يكون عمل المسؤولين في المؤسسات العامة مبنيا على الإنجازات التراكمية، حيث يبدأ المسؤول الحالي من حيث انتهى سلفه، وهكذا..

فبوركت الأيادي المخلصة التي تبني عُمان بصمت،،،

Saif5900@gmail.com