خارطة الطريق لمناهج الطفولة المبكرة:

قراءة في مناهج رياض الأطفال الفرنسية والبريطانية (7/7)

د. عامر بن محمد بن عامر العيسري


يعتبر كتاب (ماذا نتعلم في رياض الأطفال) للوزير الأسابق للتربية والتعليم الوطنية الفرنسية وثيقة متكاملة للتعليم في رياض الأطفال الفرنسية، حيث تحدث عن رياض الأطفال في فرنسا كمرحلة مدرجة ضمن المسار التعليمي يشترك فيها التعليم الحكومي والخاص، كما تحدث عن أهمية مرحلة الطفولة كونها تهدف إلى تقديم مفاتيح المعرفة للأطفال و إعدادهم للمجتمع الذي ينشئون فيه وتزويدهم بالمبادئ التعليمية واللغوية الأساسية التي تعينهم للانتقال بنجاح للمراحل التعليمية القادمة وخصوصا الجوانب المتعلقة بالاكتشاف والإبداع والتفسير والخيال ومهارات التركيز والاعتماد على الذات واحترام النظام وروح المبادرة وتوفير الفرص التعليمية المتساوية لجميع الأطفال لتحقق لهم مستقبلا أفضل.
 و برنامج التعليم في رياض الأطفال في فرنسا  يركز على عدة مجالات أساسية يحتاجها الأطفال في مسيرتهم التعليمية بهذه المرحلة، أولها التهيئة اللغوية للأطفال لأن الهدف الأساسي للتعليم في رياض الأطفال هو اكتساب لغة منطوقة غنية منظمة و مفهومة لدى الآخرين ولأن اللغة المنطوقة تمثل المحور ونقطة الارتكاز في التعليم بهذه المرحلة بحيث تتيح للطفل فرصة التعبير والفهم اللغوي وتركيز الانتباه للرسائل الموجهة إليه ليفهمها ويستجيب لها من خلال التفاعل مع المعلم و زملاء الصف باستخدام أنشطة و تعيينات لغوية معدة لهذا الغرض مع مراعاة نمو المفردات اللغوية مصحويا بفهم النسق اللغوي تدريجيا لدى الطفل، وكل هذا يتم عن طريق التطبيق اللغوي المعد بشكل يسهم في تنمية مهارات الاستخدام الحقيقي والغني للغة.
وفي مجال اكتشاف عالم القراءة والكتابة  يهدف التعليم بهذه المرحلة إلى التعمق شيئا فشيئا في إكساب الطفل لمهارات التعبير اللغوي و نمو الثروة اللغوية من خلال الاستماع لنصوص يقدمها المعلم مستغلا قدر الإمكان بعض الفرص ليكتشف فيها الأطفال عالم القراءة والكتابة وخصوصا الأنشطة المتعلقة بصوت الحروف و النظام الالف بائي و آليات كتابته ،
وركز الكتاب أيضا على أساليب التعليم التي تأخذ بيد الطفل ليصبح تلميذا يتعود من خلالها على التمدرس و التجاوب مع معلمه وزملائه وتكوين علاقات تبرز الطفل كفرد ضمن المجموعة متعاون و متفاعل مع من حوله يدرك ما له وما عليه ضمن هذا المجتمع وفق القواعد التي يسير عليها النظام المدرسي ، كما ركز على الاهتمام بتنمية مهارات التعبير الفيزيائي بحيث يكتشف الطفل أعضاء جسمه و يوظفها في تعبيره لتعينه على التعامل مع البيئة من حوله فيتعرف الطفل تدريجيا على بيئته العائلية والمدرسية ثم المجتمعية ويتفاعل معها مدركا موقعه المهم ضمن المجتمع الذي يعيش فيه ، ومن خلال الأنشطة الحركية و اللعب المنظم الهادف والآمن في الوقت نفسه يجد الطفل متنفسا لطاقته الحركية مستفيدا منها فرص التعلم اللغوي و مكتسبا مهارات المشاركة والتفاعل المنظم ، كما أكد أيضا على طرق مساعدة الطفل لاكتشاف العالم من حوله فيتدرب على طرح الأسئلة و كيفية الإجابة عليها والاستماع إلى وجهات نظر الآخرين وتنظيمها واحترامها لتقوده الى اكتساب مهارات التفكير والتفسير والتحليل ، ويتعلم مهارات العد الحسابي و الترتيب والتصنيف والوصف من خلال الاستخدام اللغوي المعد بعناية والصور والرسومات والأشكال والأدوات والألعاب المعينة على تنمية تلك المهارات، وأكد الكتاب أخيرا على تنمية مهارات المشاعر والخيال والإبداع ، حيث تعد مرحلة رياض الأطفال أول اتصال بين الطفل والفنون والأنشطة المرئية والسمعية فتنمو لديه المهارات الصوتية ومهارات التذوق الفني والخيال والاكتشاف والإبداع وتطور معارفه وقدراته التعبيرية و تكسبه أيضا مهارات التركيز والاعتماد على النفس والثقة بالذات التي تساعده للدخول بنجاح في عالم الإبداع كل هذا باستخدام الأنشطة المتعددة والمشجعة للدخول في عالم التذوق الفني و الإبداعي.
وتهتم المناهج الفرنسية  أيضا بتوثيق تقدم نمو الأطفال ، فلكل طفل دفتر يسمى (كتاب الحياة) ، حيث يشتمل على كل ما يوضح النمو في مراحله المختلفة للطفل فتسجل المعلمة كل ما يمثل تقدما لغويا أو معرفيا أو حركيا للطفل: حيث تسجل تقدمه في تعلم الحروف والأرقام والمقاطع الصوتية والمفردات، كما تسجل أول كلمة كتبها وأول جملة ، وأول رحلة مع زملائه واول عمل جماعي مع أصدقائه في الصف.

المنهج البريطاني الجديد لرياض الأطفال، The New British Curriculum يستهدف المرحلة السابقة على دخول المدرسة الإلزامية في بريطانيا والتي يطلق عليها، "تربية الحضانة، Nursery Education"، وتستمر في المعتاد حتى بلوغ الطفل العام الخامس من عمره.  
ولعل أهم ما يلزم تقديمه من معلومات وملاحظات حول هذا المنهج البريطاني الجديد: استغرق إعداد هذا المنهج ما يزيد عن خمس سنوات كاملة وشارك في إعداده عدد كبير من الأساتذة والمتخصصين والخبراء بمختلف الجامعات البريطانية وبالمؤسسة القومية للبحوث التربوية، The National Foundation for Educational Research.
وقد تم تشكيل لجنة خاصة لوضع هذا المنهج سميت "لجنة منهج السنوات المبكرة،The Early Years Curriculum Group" ضمت أساتذة وتربويين من مختلف الجامعات البريطانية. وقد أشرفت هذه اللجنة إشرافاً مباشراً وكاملاً على جميع خطوات إعداد المنهج وتجربته وتطبيقه كما استمرت في متابعته وتطويره لسنوات طويلة.
يركز المنهج البريطاني لرياض الاطفال على الجودة، Quality وضرورة البدء بها والالتزام بها في مختلف خطوات إعداد وتطبيق هذا المنهج، والسعي بكافة السبل والطرق والوسائل لنشر ومد الجودة ومفاهيمها لمختلف أشكال الخدمات التي تقدم للأطفال عند هذه الأعمار لرعايتهم أو تعليمهم أو تنميتهم في بريطانيا، سواء بالمؤسسات التعليمية الحكومية أو بقطاعات التعليم الخاص أو العمل التطوعي أو غيرها من الجهات أو الهيئات.
 ومن الأهداف التي يسعى المنهج البريطاني لتحقيقها ضرورة أن يشعر الأطفال بالأمن والثقة وأنهم مقدرون ويحققون إحساساً بالإنجاز عن طريق التعلم الذي يلزم أن يكون بالنسبة لهم خبرة ممتعة ومثيبة داخل الموقف المدرسي أو بالمنزل ، وأن يكون لكل موقف تعليمي،Setting محورا Statement يشارك فيه جميع البالغين المشاركين في هذا الموقف (الوالدان والعاملون بالمؤسسة التربوية)، ويلزم أن يحدد هذا المحور كلاً من الأهداف العامة والإجرائية Aims and objectives ومحتوى المنهج والطريقة التي سيدرس بها، وكيفية تقييم أو تقدير Assessment تقدم الأطفال وإنجازاتهم وطرق تسجيل هذا التقدم والإنجاز وتعريف كل من الوالدين والإدارة المدرسية التي يلتحق بها الأطفال بهذا التقدم والإنجاز.
كما يؤكد المنهج البريطاني على أهمية  إقامة الروابط والعلاقات الوثيقة مع الهيئات والوكلاء الآخرين ومن يعتنون ويرعون الأطفال في مختلف جوانبهم مثل الزائر الصحي ورعاة الأطفال ومن يعتنون بهم، Child Minders. كما يجب الاستفادة من مثل هذه الروابط والعلاقات عند تخطيط فرص التعلم للأطفال الأفراد، بالإضافة إلى ذلك يلزم بل إن من الضروري والحتمي تحقيق روابط قوية ناجحة وفعالة مع مربي المرحلة التربوية السابقة واللاحقة ، كما يلزم أن يشارك الأطفال في مدى واسع من الأنشطة التي تراعي ميولهم وإنجازاتهم وقدراتهم البدنية والعقلية والانفعالية والاجتماعية المتطورة والمتنامية، مراعاة دقيقة وبكل حرص وعناية.
ويشجع المنهج البريطاني الأطفال على التفكير فيما يتعلمون والحديث حوله وعلى تنمية وتطوير وضبط الذات والتحكم فيها وتحقيق الاستقلالية. كما يلزم أن تعطى لهم فترات زمنية ملائمة وكافية للتعلم عن طريق المشاركة المتواصلة في الأنشطة المركزة،Concentrated Activity، ويسعى المنهج إلى تقديم الخبرات المباشرة للأطفال،First-Hand Experiences،واستخدام اللعب والحديث كوسائط للتعلم، كما يجب أن يتم تقدير أو تقويم، Assessment تقدم الأطفال واحتياجات تعلمهم المستقبلي، وتسجيل كل ذلك عن طريق الملاحظات المستمرة والمتكررة. كما يلزم أن تتم مشاركة الوالدين وإخطارهما بانتظام بهذا التقدم والتعلم المستقبلي. فمن شأن التعرف المبكر على الاحتياجات الخاصة للأطفال أن يؤدي إلى التدخل الملائم حيالها وتقديم الدعم اللازم لها ، ويمكن للبيئة المادية أن تدعم التعلم عن طريق توفير المكان الملائم والتسهيلات،Facilities والمعدات والأدواتEquipments، على أن يتم تنظيمها وترتيبها مع مراعاة متطلبات الصحة والأمان والسلامة بعناية وحرص.
  والنواتج المرغوبة لتعلم الأطفال في المنهج البريطانيDesirable outcomes of children تؤكد على التعلم المبكر في ستة مجالات للتعلم بوصفها مجالات أساسية تقدم الأساس اللازم لما يتحقق بعد ذلك من إنجازات أو مكاسب. والمجالات الستة المقصودة هي:
أ) النمو (التطور) الشخصي والاجتماعي،  Personal and social Development.
ب) اللغة وتعلم القراءة والكتابة،  Language and Literacy.
ج) الرياضيات،  Mathematics.
د) معرفة وفهم العالم،  Knowledge and Understanding of the world.
هـ) النمو البدني،  Physical Development.
و) النمو الإبداعي،  Creative Development.

تعليق عبر الفيس بوك