معلم الأجيال الذي يريده المجتمع

حمود بن علي الحاتمي

 

كم نستذكر تلك المحاضرة التي ألقاها الدكتور خلفان الجابري في جامعة السلطان قابوس في تجربة العمانيين في إدارة التعليم قديما، حينما كانت القرية تعمد إلى بناء مدرسة لتعليم الناشئة بجهودها الذاتية وتمويل أهل القرية ثم يختاروا لها المعلم الكفء، ولعلّ معيار القيم وإجادة القراءة والكتابة وعلوم الدين واللغة العربية.

وكان التعليم غير مجاني، يدفع كل أب بيسات وقروش، ولم تخطر ببالي آلية التقويم المستخدمة مع أنّ المقرر هو ختم القرآن الكريم تلاوة وحفظَا وشيء من النحو والإعراب، أمّا كفاءة المعلم فتتحدد بمقدار مخرجات ذلك المعلم واتقانها لمهارات القراءة والكتابة ومعرفة علوم الدين والنحو بجانب أخلاقه المشهود بها. إنّه مشهد وتجربة ثرية ونظام تعليم قائم على الذاتية.

وها نحن اليوم نشهد مشهدا احتفاليا مهيبا وكرنفالا كبيرا، تسبك فيه عبارات الثناء للمعلم وهو يحتفى به في يوم المعلم الذي يوافق 24 من فبراير من كل عام.. مناسبة تحفل مناشط متعددة وتبدو المدارس في أبهى حلة.

المديرية العامة للتربية والتعليم لمحافظة جنوب الباطنة سعى مديرها العام إلى مشاركة المعلمين احتفالهم بهذا اليوم من خلال إرسال مبعوثين له لكل مدرسة وتقديم التهنئة لهم في مشهد غير معهود من قبل، كما تمّ نشر مقطع في منصّات التواصل الاجتماعي يحمل فن العازي قامت المديرية بإعداده وهو من أداء منشد عمان الأول بدر الحارثي وقام ببثه برنامج الشباب.

المدارس الخاصة هي الأخرى تحتفل بالمناسبة السعيدة بفقرات بسيطة معبرة وسط تصفيقٍ حار حينما تذكر معلمة الفصل. والمجتمع بدوره ليس بمعزل عن الحدث فقد غصّت محلات الهدايا والعطور بالأمهات والآباء يتسابقون لاختيار أفضل الهدايا لمعلمي أبنائهم. فهنيئا لك أيّها المعلم هذا اليوم، فقد ظهر من يعترف بفضلك وقد وضع ثقته فيك.

إنّ معلم اليوم ليس معلم الأمس فقد تعاظمت مسؤولياته وأدواره مع التقدم العلمي إلا أنّ الجانب الأخلاقي هو الثابت عدا ذلك يجب أن تجدد في مهاراتك ومعارفك لتواكب الثورة العلمية وتطور التربية.

والمعلم الذي يريده المجتمع العماني معلم الغد بكل ما تحمله الكلمة من معنى، فالثابت لديه أنّه يحمل قيما ويتمثل ذلك سلوكًا، ويظهر ذلك من خلال شخصية مستقيمة يتجلى فيها الطهر والنقاء وتغلفها الأمانة.

إنّ معلم الغد الذي يريده المجتمع يكون متمكنًا من المادة العلمية؛ فكلما كان المعلم متمكناً من مادته كلما ازداد ثقةَ وأبدع في تدريسها، وكانت ثقة من قِبل المجتمع وطلابه فيكون مصدرا من مصادر المعرفة التي يعتمد عليها طلابه.

لا شك أنّ استراتيجيات التدريس كل يوم تتنوع، ونمط التفكير يختلف، وبالتالي لابد للمعلم أن يكون مبتكرًا لأساليب تدريس حديثة؛ يكون فيها القائد والموجه بعيدًا عن أساليب التلقين. مُتمتعًا بذكاء يدرك فيه حاجات طلابه الوجدانية والمعرفية والمهاريّة، ويعمل على إشباعها بما يملكه من مهارات.

معلم الأجيال يجب أن يكون متفاعلا مع تحولات مجتمعه وتطوره، يعمل على أن يكون فاعلا فيه ويمتطي قيادة المبادرات فيه. فالمجتمع يرى المعلم في صورة ملائكية ناصعة البياض.

آخر سطر: لكل الذين عملوا على تعتيم صورة المعلم وإظهارها بمظهر غير لائق، المعلم نور يستضاء به.. صانع حضارة لا ترقى الأمم بدونه، فدمت عطاءً سيدي المعلم.

alhatmihumood@gmail.com