د. راشد بن علي البلوشي
أستاذ اللغويات المساعد
جامعة السلطان قابوس
يكاد لا يذكر التاريخ العربي الحديث و لا القديم عدواناً من دولة عربية على دولة عربية أخرى أفظع ولا أشنع من الغزو العراقي لدولة الكويت في عام 1990. ولن ندخل في تفاصيل الشعور بالغدر وكذلك الدمار على جميع المستويات، لكي لا نقلِّب المواجع على أنفسنا. وعلى الرغم من ذلك، وكذلك على الرغم من أن بعض الدول العربية عارضت حرب تحرير الكويت، إلا أنّ الكويت ظلت كما كانت أبداً "بلاد العرب"، وظل أمراؤها وشعبها في غاية الوفاء والكرم مع باقي العرب.
والأمثلة كثيرة على كرم الكويت مع العالم. حيث يعلم الجميع ما قام ويقوم به الصندوق الكويتي للتنمية الاقتصادية العربية من توفير للقروض الميسرة للمشاريع التنموية في الدول العربية وغيرها من الدول النامية، وكذلك من مساهمة في ميزانيات المؤسسات التنموية في العالم، سعياً من الكويت لنشر الرخاء وثقافة العطاء في العالم. وبخلاف القروض الميسرة، ظلت الكويت داعماً رئيسياً، دبلوماسياً ومالياً، لمختلف القضايا العربية ومسانداً أساسياً في المطالبة بالحقوق العربية، حيث يعد رئيس برلمانها (مجلس الأمة) مرزوق الغانم أول رئيس برلمان عربي يهاجم رئيس وفد البرلمان الإسرائيلي لمؤتمر الاتحاد البرلماني الدولي العالم الماضي ويطالب بطرده من المؤتمر للأسباب التي يعلمها الجميع. ذلك ناهيك عن الدور الكويتي الإيجابي في جميع قضايا المنطقة والعالم، حيث لم يكتف المسؤولون الكويتيون بتبني المواقف الإيجابية، بل سعوا بكل الطرق لإيجاد حلول لمشاكل المنطقة، عن طريق دعم الحوار ونبذ الخلاف. وخير دليل على ذلك ما قامت وتقوم به الكويت لحل الأزمة الخليجية الراهنة.
ورغم أنّ الكثيرين يتوقعون أن يكون الكويت أقل كرماً مع العراق (للأسباب التي يعلمها الجميع) أو على الأقل أن يكون الكويتيون غير مبالين بما حدث ويحدث للشعب العراقي بدءاً بالعقوبات (وبرنامج النفط مقابل الغذاء) ومروراً بالاحتلال الأمريكي وانتهاء بمآسي داعش، إلا أنّ الكويتيين أثبتوا أنّهم لا تغيرهم الظروف رغم قساوتها، وأنّ قيم تعاملهم مع الآخرين ومشاعرهم الإنسانية ومبادئ سياستهم الخارجية لا تتغير بغض النظر عن أفعال الطرف الآخر.
وها هم يبرهنون على ذلك باستضافة مؤتمر إعادة إعمار العراق وتقديم الأموال لدعم إعمار العراق، محتسبين ذلك في رصيد الإنسانية والعروبة ووحدة الدين والتاريخ والمصير. فالكويتيون يعلمون أنّ العرب سيكونون أحسن حالاً مع عراق أفضل، ولذلك فإنّهم يعملون من أجل المصلحة العربية، على الرغم من الأمور الشخصية. وهذه هي أفعال المعادن النادرة من الشعوب، وهذا هو شعور الشجعان الذين يتعالون على الأحقاد والضغائن ويقدمون الأدلة على حسن منهجهم ورقي سلوكهم وطيب تعاملهم.
ولسنا هنا بصدد سرد ما قامت وتقوم به الكويت للعرب والعالم من حولها، ولا أظن أن مقالاً كهذا سيكفي. ولكني أردت من خلال ما تقدم أن أشير إلى أنّ كرم العرب ووفائهم ومروءتهم وكذلك شجاعتهم على نسيان الماضي قد تجلى في أروع صورة في ما فعله الكويتيون لإخوانهم العرب. والدرس الذي يجب أن نتعلمه من الكويتيين وما قاموا به تجاه العراق هو التغاضي عن أسباب الخلاف الخليجي الحالي. نعم، فإنّ ما يشوب العلاقات الخليجية-الخليجية الآن لا يجب أن يستمر، لأنّه ببساطة قليل جدا إذا ما قورن بما عاناه الكويتيون، ولكنّهم قدموا أروع الأمثلة في الطيبة والإصرار على أن يكونوا دائماً ذوي النية الأصفى والمعاملة الأفضل واليد العليا. فهنيئاً للكويتيين ما أعطاهم الله وما أعطوه للعالم.