حميد بن مسلم السعيدي
أرسطو كان أحد تلاميذ أفلاطون، وأخذ عنه العديد من النظريات والأفكار، وعندما أصبح أرسطو أستاذًا أختلف في كثير من أفكاره ونظرياته مع أفلاطون، ولكنه ظل متمسكاً بذات المنهجية نحو النظرة تجاه الحياة، وكل ما يتعلق بأبعادها واختلافاتها ومنظومتها، وهذا يعود إلى فترات تاريخية تعود إلى ما قبل الميلاد، فترة زمنية قديمة جداً، ولكن اليوم نحن نقرأ تلك المعرفة التي أنتجت في تلك الفترة الزمنية، ونتطلع إلى النظريات التي ظهرت على يدي هؤلاء العلماء والمفكرين، فتركوا أثرًا معرفياً حفظه الزمن دون تغيير أو تحريف، وقد عاشر هؤلاء العلماء الكثير من الملوك والتجار وأصحاب السلطة والمال، ولكن التاريخ لم يسجل أسماءهم، فلماذا احتفظ التاريخ بأفلاطون وتلاميذه؟
ربما في عهد هؤلاء العلماء لم يلقوا ذلك الاهتمام في تلك الفترة الزمنية، ولكن بعد رحيلهم اكتشفت مكانتهم وأهمية العلم الذي تركوه لعصور من الزمن، وهنا تكمن أهمية العلم في بقاء أثره على مر العصور، فالأموال مهما كانت قيمتها، والثروات مهما كان حجمها تزول بنهاية مالكها دون عودة، إلا ما يتركه الفرد من علم تحفظه الأجيال وتقدر مكانته، وهذا هو الفرق بين من يقف في ساحة الصف، ومن يقف خلف المقاعد الدائرية، كلاهما يعملان ولكن الفرق أن الأول يبذل جهداً لا يُقارن بأيّ وظيفة أخرى، ويمتهن مهنة عظمتها الشعوب والحضارات، لأنها تدرك أهمية التعليم في عملية التقدم والتطور، وما نشهده اليوم من مستجدات في مختلف القطاعات خاصة ما يتعلق بصناعة المعرفة والتقنيات الحديثة لم تأتِ إلا عبر بوابة المدرسة.
هذه المدرسة التي يتولى مهمة نجاحها هؤلاء المعلمون الأوفياء المخلصون لدورهم الوظيفي والمؤتمنون على رسالة وطنية تحمل في مضامينها أمانة عظيمة وهو مستقبل عُمان، الذي سوف يعبر عبر بوابة تلك المدرسة نحو فتح آفاق ومستقبل مشرق على أيدي شبابها الذين يتخرجون من ساحات المعرفة من أجل المشاركة في استكمال مسيرة النهضة العُمانية.
ولا يُمكن اليوم الحديث إلا عن المعلمين الأكفأ الذين لا يدخرون جهداً ولا وقتاً إلا من أجل القيام بدورهم الوطني، والذي يتطلب منهم العمل ليس داخل المدرسة فحسب، وإنما خارجها وفي أوقات مُختلفة، يمارسون مهنة تختلف في متطلباتها الوظيفية والتي تتعدى الدور الأساسي في تدريس الطلبة، وإنما في بناء علاقة اتصال مع هؤلاء الطلبة والعمل على مُعالجة مشكلاتهم، بل والتعرف عليها قبل وقوعها، فما يقوم به المعلم الكفء يتعدى كل التوصيفات الوظيفية، وتصبح الأمانة التي منحت لهم تاجاً على رؤوسهم، لذا فاليوم من حق هؤلاء أن نحتفل بهم ونكرمهم ونرفعهم فوق رؤوسنا، فهؤلاء هم صناع المستقبل ومهندسوه.
ولكن هناك من أساء لهذه المهنة العظيمة لأنه لا يستحقها، وحمل لواءً غير قادر على القيام بواجبه، وكان الأحرى به أن يبحث عن وظيفة تلائم قدراته وإمكانياته، فلا يمكن العبث بمستقبل هذا الوطن، مقابل فئة عاجزة عن القيام بدورها الوطني، وغير مدركة لمدى إهمالها لهذا الدور وتعتقد أن عملية التدريس هي عملية قائمة على قراءة كتاب أمام الطلبة في الموقف الصفي، دون إدراك أن الطبلة أصبحوا ليسوا بحاجة إلى قارئ كتاب، وإنما هم بحاجة إلى تلك العقول المفكرة والمبدعة والباحثة عن التغيير والتطوير، وتعمل على تطوير قدراتها وتغيير أدوارها في القاعة الصفية، ليس بحثاً عن المال وإنما من أجل أن يسجل التاريخ لهم أثرهم الذي يحفظه عبر صفحاته.
واليوم الذي نحتفل به بيوم المعلم العماني 24 فبراير والذي احتفل به في شبكات التواصل الاجتماعي، كنت أمني النفس أن أرى أثرا لهذا الاحتفال على أرض الواقع في مكان مُختلف، حيث تقيم السلطنة معرض مسقط الدولي للكتاب، كملحمة ثقافية وفكرية ومحطة للأدباء والمفكرين والكُتاب، حيث يكون الكتاب عنوانا للمستقبل، نجد غيابا وربما فقدانا لتواجد الفئة التي ساهمت في هذا الإنتاج المعرفي، فكل ما هو موجود جاء من خلال وجود معلم أسهم في ظهور كتاب ومؤلف وعالم وأديب، ولكن اليوم غاب المعلم ولم يُعد له مكانة في هذه الاحتفالية الثقافية، حيث لا أرى إلا زاوية ضيقة في ممر العبور لمؤسسة تُعنى بالمعلمين، فأين الاحتفال بيوم المعلم في معرض الكتاب، إلا يجدر أن يكون هناك إرادة لصناعة واقع مختلف وغير تقليدي، أن يكون المعرض في هذا اليوم للمعلمين، من خلال ما ينفذ فيه من فعاليات ثقافية وأدبية، ويحتفي بالمعلمين وتكريمهم، بل ومنحهم المجال للحصول على الكتب والمراجع التي تخدم مجال تخصصهم بما يساعدهم على تطوير قدراتهم التدريسية، ألا يفترض أن تكون هناك مشاريع كمنح المعلمون بطاقات شرائية للكتب من قبل المؤسسة التي ينتمون إليها مثل ما هو مطبق في بعض دول العالم، ألا يمكن أن نمنح المعلم الفرصة ليكون مختلفاً عن بقية الوظائف الأخرى ويميز بالعديد من المميزات التي تجعل منه شخصية مختلفة في المجتمع نظير الجهود التي يبذلها في تطوير هذا المجتمع الذي ينتمي إليه.
في ظل كل ذلك لا أرى إلا أن يتمسك المعلمون الأكفأ بالحفاظ على رسالتهم الوطنية التي يقوم بأدائها ولا يتنازلوا عن تلك الصفة الإيجابية التي تمنحهم روح المواطنية، من خلال الأمانة والإخلاص في العمل، في أوقات لم يجد فيها المعلم من يحتضن قدراته وإمكانياته ويعمل على النهوض به وتعزيزه، في حين جاهدت الكثير من المؤسسات من أجل موظفيها فخلقت لهم بيئة حاضنة ومنتجة للعمل، مما أسهم في زيادة الإنتاجية والدافعية للعمل، وفي ذات الوقت حافظت بعض المؤسسات على نشر أنظمة الاستقالات مع منتصف السنة الوظيفية.