وطن لا نسهم في بنائه لا نستحق العيش فيه

عبدالله العجمي

لا تزال الأزمة الاقتصادية العالمية تلقي بظلالها على كافة دول العالم دون استثناء، وتطل برأسها على كل مناحي الحياة، وقد تفاوتت ردات فعل الشعوب في هذه الدول بين متفهم لها وساخط عليها، ولم تكن السلطنة يوماً بمعزل عن هذه المتغيرات، فقد لجأت كغيرها من دول المنطقة إلى اتباع نظام اقتصادي فرض نفسه على كل القطاعات، وقد كان التقشف وتقليص النفقات هو العلاج الآني لهذه الأزمة، وهي سياسة اقتصادية شائعة قد يلجأ لها كل فرد منا حسب الظروف التي يعيشها، وأبسط مثال على ذلك عندما يمر أحدنا بضائقة مالية، فأول ما يتم تطبيقه هو التخفيف من المصروفات الشخصية والاستغناء عما هو غير ضروري.

وكما أن الفرد منا قد يلجأ إلى محاولة استحداث مصادر دخل له لتعينه على تخطّي هذه الأزمة، وكذلك هو الأمر لدى غالبية الحكومات، فقد تترافق مع هذه السياسة بعض الإجراءات الأخرى كمحاولة العمل على زيادة الدخل والإيرادات، بفرض بعض الضرائب أو الرسوم الجديدة لرفد المداخيل والإيرادات الحكومية، وهذا أمر يفترض حسب آراء الخبراء أن يختفي باختفاء تلك المسببات التي أدّت إليه.

قبل حوالي تسع سنوات أصابت اليونان أزمة اقتصادية خانقة، وقد ألقت بكامل ثقلها على الحياة العامة في اليونان. ورغم أنها عضو في "الاتحاد الأوروبي"، إلا أن وقفته معها لانتشالها من هذه الأزمة كانت خجولة نوعاً ما، ففقد حوالي خمسة ملايين شخص عملهم بسب ذلك؛ مما اضطرّ الكثير منهم للهجرة إلى أوروبا الشمالية ومختلف دول العالم للبحث عن عمل لهم، وممن لم يستطع الهجرة اضطر للعمل في مهن ووظائف متدنّية لتوفير قوت يومه.

وكذلك هي الحال مع البرتغال، الدولة الأوروبية الأخرى التي مرّت بأزمة اقتصادية مشابهة قبل حوالي خمس سنوات، صحيح أنه كان هنالك دعم أوروبي، لكنه دعم شبهه البعض بقطرة في بحر مما كانت تحتاجه هذه الدولة لضمان استقرار أمنها الاقتصادي والاجتماعي. وقد دفعت هذه الأزمة بالكثير من البرتغاليين للهجرة بحثاً عن عمل حتى أشارت المؤشرات إلى ربع مليون مهاجر برتغالي "سنويا"، وصل الأمر لدرجة جعلت البرتغاليين يتساءلون فيما بينهم عن جدوى بقائهم في هكذا اتحاد أجبره على خطط تقشّف طويلة المدى لا يعرف مدى نجاحها، فكأنما كانت مساعدة الاتحاد الأوروبي للبرتغال واليونان من قبل كان لمجرد رفع العتب لا أكثر.

إن ما دعاني لذكر هذه الأمثلة هو أن الأمر في السلطنة يسير بشكل مغاير، على الأقل بخصوص الباحثين عن عمل؛ فالجهود الواسعة التي تقوم بها الحكومة لتوفير الوظائف تنفيذاً للتوجيهات السامية بتوفير 25 ألف وظيفة خلال فترة زمنية محددة يفترض أن تثمّن، ولعل ما ألمسه على أرض الواقع من قبيل ازدياد أعداد المتقدمين بطلب إجراء الكشف الطبي بالمؤسسات الصحية التابعة لوزارة الصحة للالتحاق بتلك الوظائف، لهو دليل واقعي وملموس يدلّ على أن عملية توفير فرص العمل للباحثين عنها قائمة على قدم وساق، فهذه التجربة فريدة بحد ذاتها.

ونحن أمام هذا المشهد، نوجه النداء إلى كل من يعيش على هذه الأرض المباركة برصّ الصفوف؛ بحيث لا ندع ثغرة يطل علينا منها من يريد الاصطياد في المياه العكرة، كالحسابات المشبوهة التي طالعتنا بها بعض التقارير الأخيرة، لأننا جميعنا معنيّون بما يجري، ومن الضروري علينا أن نساعد ونعاون لإنجاح هذه الهبّة الوطنية المشرّفة لإيجاد حلّ لإخواننا الباحثين عن عمل، علينا أن نسهم -كلّ في موقعه- في التجاوب مع كافة المبادرات والحلول التي تطرح في هذا الشأن، فلا يكفي العلم بالشيء بما يحدث، ولا وقت لتوزيع الاتهامات وإلقاء الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي، بل علينا تفعيل أدوارنا بكل الوسائل التي نمتلكها.. إن شعباً رأينا تكاتفه في الأنواء المناخية التي مرت على البلاد لا خوف عليه في مثل هذه المرحلة.

ونحن نعمل على كلّ ذلك، ينبغي علينا الانتباه إلى عِظم الأخطار المحدقة بنا، وكم هو مهمّ أن نحافظ عليها، وهو من أهم الخطوط الحُمر التي يتصيّد أمامها أصحاب المؤامرات، مما يفرض علينا كعمانيين التكاتف والتضامن، بلد لا نحميه ولا نسهم في بنائه؛ لا نستحق العيش فيه.