حمود الحاتمي
كان حديثُ المواطن السعد الذهلي من قرية بلد سيت، عبر إحدى برامج الإذاعة، حول معاناة الأهالي من الطريق الوعر الذي يربط القرية بالولاية، وعادت بي الذاكرة وأنا أقوم بالتدريس بتلك القرية من أوائل المعلمين العُمانيين الذين يعملون بالمدرسة عام 1994، وما لقيناه من تعب؛ حيث نقضي بقية يومنا في إصلاح الطريق حتى نصل إلى منازلنا، رغم تسويق القرية سياحيا، إلا أن الوضع في الخدمات ظل كما هو عليه؛ مما حدا ببعض الأهالي لمغادرة القرية، والبحث عن مخططات سكنية في مركز الولاية أو محافظة مسقط، والاستقرار فيها، وقل عدد روَّاد المدرسة من خمسمائة طالب، إلى أقل من مائتي طالب، وهو وضع يُنذر بهجرة جماعية بسبب عدم وجود خدمات، في وقت تسعى الحكومة فيه إلى المحافظة على بقاء الأهالي بالقرية؛ لما يمتلكونه من مهن يمكن أن تسوق سياحيا.
اليوم.. ما أحوج القرية إلى رصف الطريق الواصل للقرية بالولاية، وحديثنا يقود إلى قرى في عمق الولاية؛ ومثال ذلك: قرية المسيمدة القريبة من قلعة الرستاق تحت سفح جبل الرستاق، والتي تحتاج إلى ثلاثة كيلومترات لرصفها، وهذه القرية مخططها يمتد لأكثر من 47 عاما، وأنشئت مخططات جديدة، وتم رصفها، وبقيت هذه الحارة بدون خدمات.
وكذلك قرى الجيهاني، التي تبعد عن الشارع العام خمسة كيلومترات، ولا تبعد عن قرية الوشيل سوى ثلاثة كيلومترات، وهذه القرية هي الأخرى منذ أكثر من خمسين عاما عامرة بالسكان، ولكن لم يصلها الشارع المرصوف وشبكات المياه، وخدمة الكهرباء هي التي وصلتها وتفتقد لباقي الخدمات.
والأمر كذلك مع قرية وادي حيل بنت، التي تقع بين منطقتي فلج الحديث وقرية الطباقة اللتين تزدانان بالإنارة والطرق المرصوفة، بينما هي لا تحظى حتى بمعالجة الشارع الترابي إلا عند سقوط الأمطار.
ماذا عن قرية المارات التي تطل على ولاية الرستاق هي الأخرى، والبعيدة عن الخدمات، حتى خدمات الاتصالات لم تصلها، ولا خدمة المياه؟! ومعاناة أخرى يروي تفاصيلها الأهالي لكل من يزورهم؛ وهي معاناتهم مع الوصول لمركز الولاية إما مشياً على الأقدام، أو باستخدام الطريق الدائري الحمراء-بهلا-عبري-الرستاق، بمسافة تزيد على 400 كم ذهابا ومثلها إياباً.
نحن ندخل العام الثامن والأربعين من عُمر نهضتنا المباركة، وخطط خمسية، وإستراتيجيات متواصلة، وكأن هذه القرى سقطت من ذهن واضعي خطط تقديم الخدمات؛ ومنها: الطرق والمياه والاتصالات، وهذه الخدمات تعد عصبَ الحياة في كل ولاية.
أهالي هذه القرى، ومع كل استحقاق انتخابي -سواء في مجلس الشورى أو المجلس البلدي- في طليعة المصوِّتين -جماعات وفرادى- يدفعهم حماس الوطنية وهم يتوسَّمون الخير في هذا المرشح أو ذاك، الذي يرسم لهم أحلامًا وردية في أنه الأجدر بتوصيل خدماتهم، لما يمتلكه من مهارة في الإقناع، وعلاقات مع صناع القرار، رافعا شعار "انتخبوني وأموركم طيبة"، وبعد الانتخاب يُستقبل في تلك القرية استقبال الفاتحين، وما إن يصل سُدَّة المجلس حتى ينقل لهم رد المسؤول الفلاني بعدم توافر الإمكانيات في الوقت الحالي، وأن طلباتهم مدرجة ضمن الخطة، وهو نفس الرد الذي تلقاه شيخ القرية بعد مقابلاته للوزراء والمسؤولين.
قُرى الرستاق تشابهها قُرى في ولايات ومحافظات أخرى، وهذه الخدمات التي ذكرتها خدمات أولية لا تحتاج إلى مبالغ طائلة كما يُصوِّرها لنا بعض المسؤولين. وكأنها سقطت من أجندة الخدمات، وتم الاستعاضة عنها برصف طرق المقابر والملاعب في بعض الولايات صغيرة المساحة، كما يحدث في ولاية قريبة منا.
لكم استبشرنا خيرًا بالمجلس البلدي للمحافظة أن يُعيد توزيع الخدمات حسب احتياجات القرى في المحافظة، ولكن للأسف رئيس المجلس وأعضاءه لم يفعلوا شيئاً لها، وظل الأهالي يُمنون النفس بوصول الخدمات يوما بعد.. فإلي متى ستظل هذه القرى ضمن الخطط المدرجة التي لا تبدو في المدى القريب قابلة للتنفيذ، في ظل الأوضاع الاقتصادية الحالية؟!
أعضاء مجلس الشورى والمجلس البلدي مُعنيون بمتابعة احتياجات هذه القرى، ورفعها للجهات المعنية، بما يُمليه عليهم الواجب الوطني وصلاحياتهم في المجلس، وإقناع تلك الجهات بتنفيذ توصيل الخدمات، وتنظيم توصيل الخدمات وفق الأولوية، ووفق أقدمية المخطط والكثافة السكانية.
..............................
آخر سطر: "رحيلك اليوم يُكمل العام الثاني، وما زالت ورحك حاضرة بيننا، روحك الطيبة، وحُسن خلقك.. عشت هادئاً ورحلت في هدوء، طيَّب الله ثراك يا عبدالعزيز، وتبوَّأت روحك مقعدا في الجنة".
alhatmihumood@gmail.com