خارطة الطريق لمناهج الطفولة المبكرة.. المفهوم والأهمية (1/7)

د. عامر بن محمد بن عامر العيسري
 

 إن مرحلة الطفولة المبكرة من الأهمية بمكان؛ والتعليم بهذه المرحلة له دور فاعل في تنمية مظاهر نمو الطفل ويحقق بالتأكيد فوائد عديدة خصوصا عند التخطيط السليم والمنظم للمناهج وبيئة التعلم، وكافة العوامل والجوانب الخاصة بمنظومة العملية التعليمية في هذه المرحلة المهمة لبناء شخصية الطفل وتكوينها ، وقد أكد العديد من علماء النفس والتربية والمشاهير على ذلك ومنهم على سبيل المثال المهاتما غاندي حين قال  "إذا أردنا أن نحقق السلام الحقيقي في العالم، فعلينا أن نبدأ بتعليم الأطفال'' كما نقل عن افلاطون قوله :  يجب إعداد منهج للأطفال يكون مسلكا وطريقة لإعداد أفراد المجتمع الطبقي ، وفي توضيح لمحتوى التعلم للأطفال وتأثيره عليهم يقول دوروثي لونايت أن الأطفال يتعلمون ما يعيشونه ، فإذا انتقدنا الطفل باستمرار يتعلم أن يدين الآخرين ، وإذا شجعنا الطفل يتعلم أن يثق بنفسه ، وإذا أثنينا على الطفل يتعلم أن يثمن ما يعيشه. وإذا أنصفنا الطفل يتعلم أن يعدل.
ومما ينبغي تأكيده في هذا المجال أنه إذا كانت مطالب النمو عند علماء النفس ينبغي وضعها في الاعتبار عند بناء مناهج الأطفال  ، فإن الإسلام الحنيف اهتم بهذه المطالب في هذه المرحلة ، ومن أهم أوجه هذا الاهتمام دعوة الاسلام لتحقيق الأمن النفسي وإحاطة الطفل بكل ما يحقق له ذلك من محبة وعطف وحنان، وحسن معاملة له، واهتمام به؛ مما يضع في نفسه الثقة، ويساعده على تكوين مفهوم إيجابي للذات، ويظهر ذلك جليًّا وواضحًا من فعل النبي صلى الله عليه وسلم مع حفيديه الحسن والحسين، وما تركه لنا الرسول الأعظم من أقوال وأفعال في ذلك الأمر ، كما اهتم الإسلام  بالحث على إكساب الأطفال المهارات العقلية، وتحصيل المعرفة والثقافة، وتنمية المكنات الجسمية واستثمارها، وتحقيق الصحة البدنية عن طريق اللعب بأنواعه المختلفة ، كما حث على تعليم الأطفال العادات الحسنة في الغذاء والشراب وغير ذلك من ممارسات الحياة اليومية، وأيضًا أداء العبادات منذ الصغر حتى يعتاد الطفل على أدائها بانتظام، وتعلم القيم الدينية والخلقية، وضبط الغرائز والتحكم في الدوافع والانفعالات. وكل تلك الأمور التي رعاها الإسلام ينبغي أن تراعيها، وأن تحيط بها مناهج أطفال ما قبل المدرسة ، وهكذا كانت عناية الرسول صلى الله عليه وسلم واهتمامه في تربية الأطفال بتحقيق مطالب النمو الأساسية من وجهة نظر الإسلام، وذلك قبل أن يتكلم أو يتحدث عنها أو يتناولها علماء النفس في العصر الحديث بقرون.

ومنهج الأطفال —هو مجموعة الخبرات والمعارف و الأنشطة  والمهارات التي  تقدمها المؤسسة التربوية للأطفال في أماكن التعلم المتنوعة تحت إشرافها وبتفاعلهم معها يتم تعديل سلوكهم  وتحقيق النمو الشامل المتكامل ، وهو منهج مرن  ومتنوع يلائم جميع الأطفال بمختلف خصائصهم ، ومن خلاله تبنى شخصية الطفل ويتحكم في قدراته ويشعر الطفل بالقدرة  على التعامل مع بيئته وهو ليس كتابا محددا يحتوى على مهارات القراءة والكتابة  والحساب فحسب بل محتوى وأسلوب تعليمي يقوم على اللعب واستخدام الحواس  و التنوع  ويعد الطفل للالتحاق بالمدرسة الابتدائية.
ويتضمن منهج الأطفال جميع فرص التعلم والنمو المتاحة للأطفال ، والأنشطة وطرق التفكير والمواقف التي إما يجري تخطيطها أو تجاهلها أو منعها ، وطريقة تنظيم الغرفة الصفية والروتين اليومي الذي يتبعه الأطفال والبالغون على حد سواء  ، كما يشمل الدور الذي يضطلع به الكبار في تنظيم وتوجيه ما يقوم به الأطفال والتأثير عليها والمشاركة فيها ، وجميع النشاطات والتجارب التي توفر لهم ، وتلك التي يبتكرونها بأنفسهم ، واللغة التي يستخدمها الكبار للتعامل مع الصغار ، واللغة التي يستعملونها فيما بينهم ، وكل ما يشاهده الصغار ويسمعونه في البيئة المحيطة بهم. ، إضافة إلى درجة انغماس ومشاركة الأهالي في كل ما تقدم ذكره.
ويبدأ اهتمام الطفل بالكتاب كعنصر مهم من عناصر المنهج في وقت مبكر بحكم حبه للاستطلاع ، فهو ينجذب لموسيقى الكلمات والصورة الملونة، ولتقليب الصفحات مع أنه غير قارئ ولكنه يستمتع حين يستمع إلى من يقرأ له ،  وحين تتقدم به السن ، يشترك مع غيره في الحديث عما شاهده وما سمعه . وحين تنمو قدرته اللغوية تشجعه الكتب ومواقف التعلم ليتحدث عن تجاربه، وتدفعه إلى استخدام الأسئلة لتنمية معرفته ، ودور المعلمة ينحصر في أن تجعل من الكتب والقصص شيئا ساحرا وجذابا للأطفال بشكل لا يمكنهم مقاومته، وحينئذ سيأخذون بالتدرج في فهم الكلمة المطبوعة بأنفسهم ، كما يتمثل دور المعلمة أيضا في تنمية مهارات التعبير الحر السليم وإثارة الدافعية لهذا التعبير، وزيادة الثروة اللغوية والمعرفية، واكتساب مهارة الإلقاء والتحدث.، وتنمية القدرة على استحضار الأفكار والإصغاء إليها ، ومشاركة الآخرين تجاربهم وخبراتهم ، وتذوق الجمال فى الشكل والمضمون ، وتنمية حس المطالعة والألفة مع الكتاب .
ومن هنا يمكن استخلاص دلالات ومؤشرات بالغة الأهمية تفيد التربويين والمربين في أثناء إعداد مناهج الأطفال في تلك المرحلة  ، فكما أن هناك مناهج للعاديين ومناهج للموهوبين، ومناهج خاصة بكل فئة من فئات المتعلمين، فكذلك فإن هناك أسسًا ومعايير وثقافة خاصة بمناهج الأطفال ، حيث إن هذه الفئة من المتعلمين، وهم في مرحلة الروضة وغيرها من المراحل فيما قبل المدرسة، يتسمون بعدة خصائص جسمية وانفعالية توجب على المصممين والمطورين وواضعي المناهج أن ينظروا إليها بعين الاعتبار؛ حيث إن الأطفال ينمون نموًّا ملحوظًا في هذه المرحلة من مراحل النمو، ويمكن تشكيل قدراتهم وطاقاتهم ، وتعويدهم على عادات وممارسات وسلوكيات معرفية وتفكيرية سليمة؛ إذا ما تم التخطيط المقصود والمنظم لمناهجهم ، والعمل على رعاية نموهم  في كافة مظاهره ومراحله المختلفة، بغرض تنشئة جيل من الأطفال يتمتع بالصحة الجسمية والنفسية، والمشاركة الاجتماعية، والقدرة على الإنتاج في مرحلة الرشد، كذلك الاهتمام بنمو شخصية الطفل بكل أبعادها الجسمية والعقلية والانفعالية، وجعل الأنشطة التربوية ملائمة لمراحل النمو ونجاح ذلك في مرحلة ما قبل المدرسة وملائمته لقدرات وحاجات واستعدادات وخصائص النمو المختلفة لأطفال ما قبل المدرسة.

Sebawaih2000@hotmail.fr

تعليق عبر الفيس بوك