عزيمة حقيقية

 

حسين الغافري

يقول قائل: إن النجاح لا يحتاج إلى أَقْدَام، بل إلى إِقْدام.. وتبدو المقولة صائبة للغاية، وتتواءم مع المنتخب الفيتنامي، بعدما سلك طريقاً لم يعتده؛ ليتجاوز الجميع ويصل إلى نهائي كأس آسيا تحت 23 عاما في الصين، لمواجهة المنتخب الأوزبكي، في مباراة قوية استحقَّ على إثرها إشادة العالم أجمع. ولقد أدركتُ جيداً أن النجاح نصفه الرئيسي "عزيمة حقيقية"، تدعو لبذل وتضحية وجد واجتهاد، حتى يُضاف إليها جميعاً عوامل النجاح الأخرى وصولا للاكتمال المطلوب. الفيتناميون كانوا على المَوْعد في ليلة تاريخية وصلوا فيها للمرة الأولى في تاريخهم الكوري بمختلف الأعمار إلى مُباراة نهائية في إحدى البطولات الآسيوية.

****

تذكرتُ لوهلة المُنتخب اليوناني الذي صنع لنفسه تاريخًا مع المدرب الألماني ريهاجل، في نهائيات أمم أوروبا عام 2004 في البرتغال. كان مُنتخب الرجل الواحد، وبلا أي "سوبر ستار". بل كانت البطولة تضم منتخبات كبار القارة العجوز وأصحاب التاريخ والنجوم. ومع ذلك، حقق المنتخب اليوناني اللقب في فارقة تاريخية غير مسبوقة. وهنا السؤال يبدو مطلوباً عن ماذا كان يملك المنتخب اليوناني ولم يملكه البقية؟ إنها الإرادة الصلبة المتينة، والحضور الذهني الكامل، والجد والاجتهاد لتحقيق المُراد. ليس ببعيد أيضاً فوز المنتخب البرتغالي ببطولة أمم أوروبا قبل عامين في فرنسا، رغم أنها لم تكن مرشحة في ظل وجود بطلة العالم ألمانيا، وفرنسا الدولة المستضيفة، وكذلك إسبانيا وإيطاليا وإنجلترا...وغيرهم ممن لهم رصيد ثقيل كرويًّا. البرتغال حقَّقت اللقب ليس لشيء آخر بطهري، وإنما للعقلانية التي تمتَّعوا بها في كيفية توظيف القدرات والإمكانيات المتاحة، والتي استوعبها الجميع من مدرب ولاعبين مع عطاء وبذل كبيرين. ومَن شاهد اللقاءات لغاية المباراة النهائية، وتحقيق اللقب، يدرك كل الإدراك أن المنتخب البرتغالي كان متوازناً إلى أبعد الحدود في كل خطوطه، وذو رغبة أكثر وضوحاً، وبذل أكبر إلى أن تحقيق الهدف، رغم أن منتخب عام 2004 يملك نُجوماً من اللاعبين أكثر مما يملكها منتخب 2016.. وهنا نعيد ونجدد المقولة بأن النجاح بحاجة بدرجة أولى لعطاء مُضاعف من اللاعبين، وجدية تامة، وتحضير نفسي على أعلى مستوى.

****

ومن الأمثلة الجميلة التي أرددها أيضاً في هذا السياق: نجاح تجربة نادي ليستر سيتي في التتويج بلقب الدوري الإنجليزي عام 2016، رغم أنه فريق مُتواضع مقارنة بكبار الدوري.. حتى إن الاتفاق كان بين المدرب والإدارة على البقاء في الدوري الممتاز وليس تحقيق اللقب! ومع ذلك حقق الإنجاز التاريخي بعمل حقيقي قام به الفريق، وسعى له المدرب واللاعبون. فالأموال ليست وحدها من يصنع النجاحات، إنما البذل والعطاء والجد والاجتهاد يأتي في المقام الأول.

****

وبالعودة لما صنعه المنتخب الفيتنامي في نهائيات كأس آسيا للمنتخبات الأولمبية دون الـ23، يجب أن نستشعره جميعاً وهي رسالة للاعبينا في مختلف الفئات السنية أن النجاح مقامه الأول: بذل وجد واجتهاد، وتضحية من أجل القميص الذي نرتديه.. النجاح والألقاب بحاجة لثقافة بذل 100% قبل كل شيء.