د. عبدالله باحجاج
لا تزال إقامة مركز للمنافسة ومكافحة الاحتكار، تحت إشراف وزير، حديثَ المجتمع، وفي طور المفاجأة العامة، عوضا عن الاعتداد بالهيئة العامة لحماية المستهلك، ليس لنجاحاتها الباهرة فقط، وإنما لأنَّ قانون المنافسة ومكافحة الاحتكار يدخل في صلب اختصاصاتها، وجوهر كيانها، وهذا ما سنحاول إثباته في هذا المقال.. ومن خلاله، ستنكشف لنا الخلفيات والأبعاد التي تقف وراء عدم إسناد تطبيق قانون المنافسة ومكافحة الاحتكار لهذه الهيئة المباركة في قائدها وأطرها وجهودها، وفي الوقت ذاته، وبصورة تلقائية، ستتضح لنا أشكال القوى التي تمكنت من سحب الصلاحيات من الهيئة، ونجاحها في الإقناع بإقامة مركز للمنافسة ومنع الاحتكار تحت إشراف وزير.
وقبل ذلك، علينا مباركة هيئة حماية المستهلك بفوزها للمرة الثالثة على التوالي بجائزة درع الحكومة الذكية العربية في دورتها التاسعة، مؤخرا، رغم الصدمة الكبرى التي تعرضت لها مؤخرا بسحب أهم صلاحياتها الوجودية -كما سنبين ذلك لاحقا- وهذا الفوز الجديد ينضم لسلسلة جوائز محلية وعربية وعالمية حصدتها الهيئة، وهذه الجوائز كما توصف، بمثابة أوسمة استحقاقية على صدر كل منتسبي الهيئة، من أعلى سلالمها الإدارية إلى أسفلها؛ لأنها تعمل كمنظومة واحدة، وبروح جماعية عالية المستوى رغم الإحباطات النفسية، القديمة والجديدة. ومن هنا، نعلن مجددا وقوفنا معها، وهى في أمسِّ الحاجة لهذا الدعم، حتى لا يتأصل الشعور بأنهم يعملون بضمير غير مقدَّر، وأنهم يحصدون الجوائز لبلادهم، وهناك من يتآمر عليهم، هم بشر، والكينونة البشرية تتأثر سلبا بمثل تلكم الممارسات، وإيجابا، مثل هذه المقالات...وغيرنا معهم كثير، ونحن جزء من الكثير الذين يقفون معها، وسنقف معهم ما دام يعملون بوطنية عالية المستوى، واحترافية المهنية؛ فهل الإنجاز العربي الجديد الذي حققوه لبلادهم، يشفع لهم في استرداد صلاحيات الهيئة ؟ كل من يعمل من أجل الوطن خالصا، ومخلصا، لن تكون في مسيرته كلمة مستحيل، قد يكون صعبا الآن، لكننا نراهن على الإقناع السياسي، كلما توافرت مبرراته، وضروراته؛ لأننا في النهاية نصب في خدمة الوطن، ومن أجله، ترتفع الأصوات دفاعا عن المصالح الوطنية، ومن هذه الإمكانية التي قد تبدو صغيرة جدًّا، لكننا ننظر لها بتفاؤل كبير في الاستدراك السياسي لرد الصلاحيات للهيئة، ليس من دواعي تقنين مواردنا المالية، وعدم تبذيرها على التوسعات المؤسساتية، أو إحقاقا لسياسة ترشيد الإنفاق، وكفاية الموارد، وكفى بها اعتبارا الآن، وإنما من الناحية المهنية الصرفة، وأيهما الأفضل بتطبيق قانون المنافسة ومنع الاحتكار في بلادنا؟ هيئة متخصصة، متفرغة، أثبتت مهنيتها، وجدارتها في ساحتنا الوطنية، ويعول عليها كثيرا في ديمومة الاستقرار الاجتماعي في عصر الضرائب، أم مركز حديث النشأة والتكوين ويعمل تحت إشراف وزير؟
وللزوم الإقناع السياسي، نتساءل عن الهدف من إصدار قانون حماية ومنع الاحتكار؟ فمن المعروف أن الهدف منه يكمن في ضمانة عدم وجود ممارسات احتكارية، تمكن المحتكرين من تحقيق أرباح من خلالها. من هنا، تظهر لنا الهيئة مؤهلة وجاهزة تماما لهذه المهمة الوطنية بامتياز، ونقترح التأمل في هذا الجزئية من الهدف المستهدف من القانون، من إبعاد المرحلة المقبلة التي تنتظر تطبيق ضريبة القيمة المضافة، وهى ضريبة سترفع الأسعار حتميا في معظم حياتنا المعيشية؛ فعدم وجود متخصصين لهم خبرات في الميدان، ولديهم تجربة طويلة في السوق، فستكون التداعيات المجتمعية أشد وطأة؛ فالمحتكرون لديهم من الحيل الذكية المتعددة، ما يمكنهم من تمرير ممارساتهم الاحتكارية في ظل نقص الخبرات والتخصصات التطبيقية، الرقابية، كما أن هذه المرحلة تحتم رقابة مستقلة بعيدة كل البُعد عن أية إشراف وزاري، لضمانة مجموع المصالح في عصر الضرائب، كما أن مكافحة الاحتكار، تعني ضرورة وجود إجراءات فاعلة للمكافحة، وقدرات لها باع طويل في تحليل الأسواق، لاكتشاف هياكلها، والتأكد من عدم وجود اتجاهات لإقامة كيانات احتكارية، والتأكد كذلك من عدم وجود اتفاقيات احتكارية بين المسيطرين على السوق، كما يحتاج إلى خبرات متمكنة تستطيع اكتشاف خلفيات أية لقاءات بين التجار المسيطرين قد تفضي إلى رفع الأسعار، فمن لديه هذه الأهلية والقدرات الجاهزة: الهيئة أم المركز؟ هنا منطقة عقل، نرفع من شأنها عاليا، لدواعي الإقناع.
ولن يستقيم للرقابة -سواء المستقلة أو التابعة للوزير- أن تنجح في صلاحياتها، ما لم تكن حازمة في تطبيق قانون المنافسة، وإجراءات منع الاحتكار، فإيهما سيكون حازما، الترجيح للهيئة للدواعي سالفة الذكر؛ لأنها بالقدر الذي تكون فيه حريصة على جني موارد مالية لخزينة الدولة من خلال عقوبات الاحتكار، ورفع الدعاوي، إلا أن مهمتها الأساسية ستكون اكتشاف الأساليب الاقتصادية القائمة التي تحقق أرباحا احتكارية، وهذا كله سيعزز المنافسة وسيمنع الاحتكار، بخلاف أية مؤسسة أو مركز غير مستقل، الذي قد يغرق في مهمة سياسة الغرامات، وقد يكون هذا أقصى حد ممكن له، لكي يبرز ذاته، أو قد تكون مهمته الأساسية هي الجبايات فقط، دون أن ينفذ للجوهر.. هل تمكننا من الإقناع السياسي -عقلانيا- بأهلية واستحقاق هيئة حماية المستهلك بتطبيق قانون المنافسة ومكافحة الاحتكار؟ ومنها نرى أنَّ حماية المستهلك هي الأفضل دون غيرها لهذه المهمة الوطنية، وفي المرحلة الزمنية المعقدة، التي ستزداد تعقيدا عام 2019م، وماذا بعد ذلك؟... للموضوع تتمة مهمة.