طالب المقبالي
مهما تقدمت الأمم ومهما تطورت فستعود للماضي وللتاريخ، فلو لا تلك الحضارات التي سبقتنا لما تطورت الأمم ولما تقدمت، فالإنسان يستمد قوته من ماضيه الجميل الذي صنع الأمجاد.
وما يهمني في هذا المقال هو حضارة عُمان وتاريخها المجيد الذي سطره الأجداد عبر قرون مضت بما يعرف بالإمبراطورية العمانية التي امتدت إلى شرق أفريقيا.
هذه الحضارة التي قهرت الغزاة والمستعمرين على مر العصور، ويحدثنا التاريخ أن الأساطيل البحرية العمانية هبت لنجدة المسلمين في بلدان كثيرة من مداهمة الغزاة.
ويكفي أن نستنبط عبق تاريخ عمان من قلاعها الشامخة المنتشرة في شتى ربوع عمان، وكذلك براعة الإنسان العماني في شق قنوات الأفلاج لري المزروعات.
وامتداداً لتلك الحضارة فقد اهتمت الحكومة الرشيدة التي يقود مسيرتها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله-، فأنشأت المتاحف، وحولت بعض القلاع إلى متاحف تحكي ماضي عُمان التليد، وتروي قصة الحضارة في قرون غابرة، بل وتحكي شدة بأس الإنسان العماني عبر الأزمان، كما أنشأ جلالة السلطان المعظم -حفظه الله- وزارة التراث والثقافة التي تعنى بالتراث وتهتم بالتنقيب المستمر عن المكتشفات الأثرية التي ما زالت تكتشف هنا وهناك، كما أنشأ جلالته هيئة الوثائق والمحفوظات التي تعنى بجمع الإرث المكتوب، فجابت العالم بحثاً عن المخطوطات العمانية التي تناثرت في أرجاء عديدة من المعمورة.
إنَّ الاهتمام بالتراث والموروث الحضاري ينبع من أصالة الإنسان العماني ومن ثقافته الممتدة من ذلك الإرث.
ولعل البيت الغربي بقرية قصرى الذي حولته زكية بنت ناصر اللمكية حفيدة العلامة الشيخ راشد بن سيف اللمكي إلى متحف لهو دلالة على أصالة الإنسان العماني وتمسكه بتاريخه.
والبيت الغربي بقصرى ليس البيت الأثري الوحيد في ولاية الرستاق، لكنه البيت الوحيد الذي لقي الاهتمام، فهناك بيوت أثرية في بيت القرن التي كانت مقراً للأئمة والحكام بحكم جوارها لقلعة الرستاق التاريخية، وكذلك في قرية عيني والعلاية وجماء والحوقين وغيرها .
إلا أنها لم تجد الاهتمام الذي لقيه البيت الغربي الذي اهتمت به هذه المرأة المثابرة، فاستطاعت أن تحول منزل أسرتها القديم إلى معلم من معالم الولاية يستقطب زوار الرستاق من داخل وخارج السلطنة.
فبالإرادة والتصميم والعزيمة الصادقة استطاعت أن تحول هذا المنزل المتهالك إلى هذا المتحف الذي يضم الكثير من المقتنيات الجميلة التي كان الإنسان العماني يستخدمها، وكانت جزءًا من أدواته اليومية.
ويلاحظ الزوار من خلال مكونات هذا المتحف الجهود الكبيرة التي بذلت حتى ظهر بالصورة التي عليها الآن .
هذه الجهود يجب أن يواكبها دعم من الجهات الحكومية لتشجيع مثل هذه الجهود، فالمتحف أصبح واجهة الرستاق إلى جانب قلعتها الشهيرة وحصن الحزم وعين الكسفة.
فزائر ولاية الرستاق كي تكتمل زيارته لابد له من المرور بهذا المتحف لتكتمل الصورة الفسيفسائية لهذه الولاية.
ولم يقتصر دور زكية اللمكية على جمع المقتنيات الأثرية وعرضها في أرجاء البيت، بل أصبحت تشارك في جميع المناسبات السياحية التي تقام على مستوى المحافظة، وكذلك المعارض والمناسبات الوطنية، حتى أصبح للبيت الغربي حضوراً لافتاً، بل وأصبح له موقع على خارطة المواقع السياحية والأثرية في الرستاق .
فبوركت الأيادي التي عملت بإخلاص واجتهدت من أجل إحياء مكانة هذه الولاية العريقة.
muqbali@gmail.com