العرب وإسرائيل وواقع البحث العلمي

 

سلطان الخروصي

يُشكل البحث العلمي أحد الروافد الأساسية التي تقوم عليها الدولة العصرية ضمن الاستراتيجيات ذات الأولويات القصوى في مسيرة البناء والتطوير؛ لتحقيق قاعدة اقتصادية متينة في المقام الأول وإثبات اعتبارها في المنظومة السياسية العالمية، وهناك كثير من الشباب العربي لا يفقه عن الكيان الصهيوني إلا أنهم شِرذمة من عصابات العالم ومُشرديه الذين اجتمعوا في جزء من الوطن العربي ليكوِّنوا ما يُعرف باسم (إسرائيل) والذي هو بمثابة الوطن القومي لليهود مُدجَّجين في ذلك بدعم غير منقطع النظير من أوروبا، التي أهدتهم ذلك الوطن المُغتصب ضمن وعد بلفور (1917) في وقت كان الوضع السياسي العربي يتسم بالتصحَّر وعدم إدراك المصالح القومية.

لكن وفي ذات السياق يتبادر إلى ذهن المواطن العربي سؤال جوهري ذو صلة بقضاياه المصيرية مع إسرائيل وهو: لماذا تلقى إسرائيل كل هذا الزَّخم من الدعم اللامتناهي على الرغم من وحشيتها في تعاملها مع الإنسان العربي وبعض المنظمات الحقوقية ومع الصحفيين المستقلين من قِبل دول يُشار لها بالبنان في ريادتها بالقضايا الديمقراطية وحقوق الإنسان؟.

سؤال مشروع يفتح الباب على مصراعيه بضرورة أن تُعيد دولنا العربية قراءة الواقع الذي تعيشه بمنطقية ومنهجية مقبولة ومعقولة، إذ أنّ العالم لا يُمكنه أن يُفرِّط في أمَّة تضلَّعت بالعِلم والمعرفة والإنجازات العلمية بمختلف المجالات، فإسرائيل التي لا يتجاوز عدد سكانها (8.059) مليون نسمة حسب الإحصائيات الرسمية لعام (2013) استطاعت أن تُبرمج (45%) منهم بالانخراط في البحث العلمي والجزء المتبقي في السلك العسكري - على أن يكونوا بقدر من الإنتاج العلمي-؛ مما دفعها للتفوق عسكرياً واقتصادياً في المنظومة الدولية وبلا مُنازع، فقد استطاعت إسرائيل أن تكون رقماً صعباً في عالم الكِبار من خلال استراتيجية وطنية قوامها الابتكارات وبراءات الاختراع التي تجذبُ العالم نحوها وجعلها مثار إعجابٍ وتشجيعٍ أيَّاً كان الثمن.

 وحتى يكون طرحنا واقعي فجديرٌ بنا أن نضع أرقاماً علمية موثّقة حيث نجد أنّ تقرير اليونسكو حول العلوم والتكنولوجيا لعام (2008) قد أشار إلى أن: "تُنفق إسرائيل على البحث العلمي ما قيمته (0.8- 1.0%) مما ينفق في العالم أجمع في مجالات البحث العلمي، بينما تُنفق الدول العربية مجتمعة ما قيمته (0.4%) مما يُنفق في العالم، أي أنّ إسرائيل تُنفق أكثر من ضعف ما يُنفق في الدول العربية مُجتمعة على البحث العلمي والتطوير، فيما تنفق الولايات المتحدة الأمريكية حوالي (2.7%)، وتُنفق بريطانيا (1.8%)، بينما تُنفق ألمانيا (2.6%)، بينما أقل الدول في العالم إنفاقا على البحث العلمي هي الدول العربية وعلى وجه الخصوص الدول العربية الموجودة في قارة آسيا وعلى وجه الخصوص دول مجلس التعاون الخليجي؛ حيث لم يتجاوز إنفاقها على البحث العلمي (0.1%) من الإنتاج القومي لها"، ومن النتائج المحزنة والمخيفة التي أشار إليها التقرير هو "أن إنفاق الدول العربية على البحث العلمي والتطوير يُعادل نصف ما تنفقه إسرائيل، على الرغم من أن الناتج القومي العربي يبلغ (11) ضعفا من الناتج القومي في إسرائيل، كما وتُنفق إسرائيل ما قيمته (4.7%) من ناتجها القومي على البحث العلمي، بينما يُنفق العالم العربي (0.2%) من ناتجه القومي.

وفي قراءة أخرى وبالتحديد في دراسة أجراها الدكتور خالد سعيد ربايعة (2011)، وهو باحث فلسطيني من مركز أبحاث المعلوماتية في الجامعة العربية الأمريكية، حول "مقارنة بين إسرائيل وكافة الدول العربية في البحث العلمي وبراءات الاختراع" أظهرت نتائجه أن إسرائيل تتفوق بشكل كبير وملحوظ على كافة الدول العربية في البحث العلمي وبراءات الاختراع، علاوة على تفوقها في إنتاج العلماء في كلا الجانبين، ومن أهم النتائج التي أظهرتها دراسته أنه وعلى مستوى التصنيف العالمي للجامعات حازت الجامعات الإسرائيلية على مراكز متقدمة في ذلك التصنيف وبالأخص الجامعة العبرية التي جاء ترتيبها (64) على مستوى العالم، بينما لم تُذكر أي جامعة عربية ضمن الترتيب الخمسمئة الأولى عالميا، وعلى مستوى العلماء فقد حاز (9) من علماء إسرائيل على جائزة نوبل بينما حاز عليها (6) من علماء العرب، وعلى مستوى الإنفاق فقد أظهر تقرير الإحصاءات الوطنية للبحث العلمي في إسرائيل أن الانفاق على مجالات البحث العلمي في عام (2008) فقط بلغ (9) مليار دولار، بينما جاء الإنفاق العربي إجمالاً على ذلك ما يقرب من (5) مليار دولار، وعلى مستوى إنتاج العُلماء والباحثين فقد تفوق العرب في العدد بوجود (124) ألف باحث بينما بلغ عددهم في إسرائيل (90) ألف باحث كان (90%) منهم متخصصون بالهندسة الإلكترونية الدقيقة، وعلى مستوى براءات الاختراع فقد أظهرت الدراسة أن عدد براءات الاختراع الإسرائيلية بلغت (16805) براءة اختراع، بينما بلغت عند العرب (836) براءة اختراع أي ما نسبته (5%) مما يُنتج في إسرائيل، ومن المُدهش أن تقرير اليونسكو لعام (2008) أوضح أن براءات الاختراع لدى إسرائيل في عام واحد بلغت (1166) براءة اختراع وهو ما يفوق براءات اختراع العرب طوال تاريخ حياتهم، وعلى مستوى المؤلفات والكتب والبحوث العلمية المنشورة فقد أظهرت الدراسة أن عدد الكتب المؤلفة في إسرائيل سنويا تبلغ (6866) كتاباً بينما يبلغ عددها عند العرب (10000) كتاب، وأما البحوث العلمية المنشورة سنوياً فتبلغ لدى إسرائيل (138881) بحثا مُحكَّما بينما يبلغ عددها عند العرب (140000) بحثاً علميا مُحكَّماً، إلا أن نوعية البحوث وجودتها تتباين بين ما يُنتجه العرب وما تنتجه إسرائيل؛ حيث يُشير تقرير اليونسكو للاستفادة من البحوث العلمية المنشورة في العلوم الإنسانية والعلمية أن عدد الاقتباسات من البحوث العلمية المنشورة لدى اسرائيل أكثر بكثير عن الاقتباسات من البحوث العربية؛ حيث بلغت تلك الاقتباسات من بحوث العرب (620000) اقتباسا، بينما بلغت من البحوث الإسرائيلية (1721735) اقتباساً.

وعودة على تقرير على ذي بدأ حول تقرير اليونسكو الذي يُعطي مؤشرات كل عشر سنوات فيما يتصل بالبحث العلمي نجد مفارقة كبيرة جدا في الاهتمام العربي بالباحثين مقارنة باهتمام إسرائيل بهم، فعلى صعيد نصيب الفرد من الإنفاق على البحث العلمي نجد أن التقرير يصنف إسرائيل في المرتبة الأولى عالميا حيث يبلغ نصيب الفرد في البحث العلمي (1.272.8) دولار سنويا، تليها الولايات المتحدة، ثم اليابان بينما جاء نصيب الفرد في البحث العلمي بالدول العربية الأقل حيث بلغ (14.7) دولار سنويا، وأما بالنسبة لموقع دول مجلس التعاون الخليجي من بين المنظومة العربية فقد بلغ نصيب الفرد في البحث العلمي (11.9) دولارا سنويا فقط أي ما نسبته (0.1%) عالمياً.

إن ما تقدَّم من أرقام علمية وثَّقتها تقارير المنظمة العالمية (اليونسكو) أو ما أشارت إليه نتائج دراسة ربايعة (2011) تعطينا مؤشرا مخيفا على مدى تأخر وتراجع الإنتاج العربي في مجالات البحث العلمي، مع الإشارة إلى أن أغلب المؤشرات السابقة كانت سابقة لما يُعرف بالربيع العربي الذي عاث بالأوطان فوضى وأفقدها كثيرا من منابع الإبداع والابتكار، فإسرائيل لا تُعوِّل كثيراً على الجانب العسكري الكمي بقدر اعتمادها على أن تكون رقماً عالمياً له وزنه وثقله الاعتباري اقتصاديا وسياسيا وعلميا كماً ونوعاً والذي أوجد لديها قناعة بأنها تمتلك جيشاً لا يُقهر بما يمتلكه من تطور تكنولوجي دقيق مردُّه الابداعات البحثية وجودتها؛ لذلك لا يمكن للعالم الغربي أن يُفرِّط في عقول تضخُّ له أنهارا من الإنتاج والإبداع والابتكار التكنولوجي والعسكري والاستراتيجي، وعلى ضوء ذلك كان جديرٌ بالحكومات العربية والمؤسسات البحثية بمختلف مجالاتها إعادة رسم خارطة طريق تجعل من المواطن العربي (باكورة) إنتاج علمي متوقِّد بالابتكار ومهووسٌ بالمعرفة، وكما قيل قديما "نصفُ المُتعلِّم أخطرُ من جهلِ الجاهل" فوطننا العربي ليس بحاجة إلى أشباه المتعلمين الذي يعيثون في الأرض فسادا بتأويل منابع المعرفة والأحكام الشرعية والمسائل العلمية برؤية قاصرة.

sultankamis@gmail.com