حميد بن مسلم السعيدي
الحديث عن أهمية الشباب ودورهم في النهوض بالوطن لا يختلف عليه اثنان، ولكن بقاء هذه الفئة في حالة فراغ دون الاستفادة من إمكانياتهم وطاقاتهم في خدمة الوطن، هو هدر للقوى البشرية وخسارة كبيرة في موارد الوطن، فهذه الفئة أُنفقت من أجلها مبالغ مالية كبيرة في سبيل التعليم والصحة والتدريب والتأهيل، ولكن عندما يصل الشاب إلى مرحلة العطاء والعمل يجد نفسه أمام جدران الفراغ فيضع العديد من التساؤلات حول هذا الأمر.
فالجميع يُدرك وجود أعداد كبيرة من شباب الوطن دون وظيفة، فهي مرحلة لها العديد من الانعكاسات السلبية، والتي يجب العمل على تداركها بصورة مُقننة وهادفة، فلا يُعقل أن يتواجد شبابنا بدون وظائف وفي ذات الوقت الوافد يتنعم بخيرات هذا البلد، فأي تناقضات نعيشها وأي واقع لا نستطيع إيجاد الحلول له، في حين أن المؤسسات الخاصة تستغل خيرات وثروات هذا البلد بحثًا عن الأرباح الخيالية التي أصبحت تعلن عنها سنوياً بمئات الملايين، مُبتعدة بذاتها عن تقديم الجزء القليل للوطن من خلال القيام بواجبها في توظيف الشباب، بل البعض منها يعمد للتلاعب على القانون مستغلا بعض الهفوات فيه، لحرمان أبناء هذه الوطن من حقهم في عملية التوظيف.
ومن المستغرب حقاً أن يعمد البعض إلى الترويج من أجل إقناع الرأي العام بأنَّ السبب في جلب العمالة الوافدة أنها رخيصة الأجر، فهذه أكذوبة لا يُمكن تصديقها، لأنَّ الإحصائيات التي نشرت سابقاً حول حجم رواتب العمالة الوافدة تكشف حقيقة الأمر، خاصة وأن الكثير منهم يشغل مناصب عُليا في شركات خاصة، والبعض منها شركات حكومية ذات مستوى عالٍ من الدخل، وهنا ندرك حقًا أن الأمر يحتاج إلى إدارة مختلفة في عملية التوظيف.
وفي ظل كل هذه التناقضات تجد أن الفوضى هي العنوان السائد في قطاع الأعمال الخاصة، ولا يحتاج الأمر إلى التحليل والبحث والتقصي عن الإحصائيات والأرقام، ويكفي ما تشاهده في الكثير من المؤسسات من سيادة العمالة الوافدة على كل الوظائف فيها، في ظل وجود القلة القليلة من العمانيين والذين ترك لهم الوظائف الدنيا، بل يتعرضون إلى أقسى أنواع المعاملة من العمالة الوافدة بغية إجبارهم على ترك هذه الوظائف وإفساح المجال لبني جلدتهم، الأمر الذي يضع الكثير من التساؤلات حول دور المؤسسة المعنية بالقوى العاملة وعجزها عن تنفيذ القوانين المرتبطة بتوظيف الشباب العُماني.
والرقم الذي أعلنه المركز الوطني للإحصاء والمعلومات عن وجود (1505885( في القطاع الخاص لعام 2017، يضع هذه المؤسسات ومن يُراقبها أمام العديد التساؤلات حول وجود هذا الرقم الضخم من العمالة الوافدة في كافة المستويات الوظيفية، ومدى توافقها مع القوانين المنظمة لتواجد هذه العمالة في القطاع الخاص أو العام، وفي ذات الوقت وجود أقل من خمسين ألف باحث عن عمل، فكيف استطاعت هذه المؤسسات جلب هذه العمالة ولم تستطع توفير وظائف لنسبة لا تزيد عن 3% مُقابل العمالة الوافدة، مما يؤكد على عجز المؤسسات الحكومية المعنية بهذا الأمر عن القيام بدورها الحقيقي في إدارة عملية التوظيف وتطبيق إستراتيجية التعمين، والتي تمَّ وضعها من أجل تعمين الوظائف في جميع القطاعات للشباب العُماني، وتحقيق التوازن بين العمالة الوافدة والعمالة الوطنية وإعطاء الأولوية للشباب العُماني، فمع تقديرنا لدور القطاع الخاص إلا أنه يجب عليه القيام بدوره في توظيف الباحثين عن العمل، ولا توجد مُبررات مقنعة لعدم توظيفهم خاصة في ظل وجود نسبة عالية من حملة الشهادات الفنية في كافة التخصصات.
إنَّ وجود نسبة من الشباب بلا وظائف هي مشكلة لابد من إيجاد الحلول لها، ووجود هذا الرقم الكبير يكشف الحقيقة التي لابد من التَّعاطي معها من خلال المجالس البرلمانية في حث المؤسسات الحكومية على التعامل مع الأمر من خلال التفعيل الحقيقي للقوانين والرقابة على مؤسسات القطاع الخاص، أما الرضوخ للواقع دون العمل على إيجاد الحلول مما يؤثر سلباً على مدى استفادة الوطن من الكفاءات الوطنية والقوى البشرية والتي كلفت الدولة مالاً كبيرا في عملية تأهيلها وتدريسها وتدريبها، وحان الوقت لأن تقوم بدروها في خدمة الوطن، وليس انتظار السنوات تمر دون أن تجد وظيفة تتيح لها المجال للعطاء والعمل، فالفراغ الذي يعيشه الشاب إذا لم يستغل بصورة إيجابية قد ينجرف البعض نظراً لظروف معينة للدخول في إشكاليات لا علاج لها، وهنا تكمن المشكلة في ظل وجود مُغريات ومشتتات لعقولهم، سعياً ممن لديهم مآرب سيئة لاستغلالهم لتحقيق أهداف قد تساعد كثيراً في خسارة هذه القوى البشرية وعدم الاستفادة من الإمكانيات التي تمتلكها، وهنا تكمن خطورة هذه المرحلة.
وفي ذات الوقت فإنَّ التوجه نحو التوظيف في القطاع الحكومي هي مبادرة إيجابية لإيجاد الحلول المناسبة، ولكن إلى متى سوف يستمر هذا التوظيف؟ في ظل وجود اكتفاء لدى العديد من المؤسسات الحكومية، خاصة بعد استخدام التقنية الحديثة في إنجاز الأعمال الحكومية، فتبقى المسؤولية على القطاع الخاص والذي يمتلك المجال لتوظيف الباحثين عن العمل، ولكنه يحتاج إلى إعادة تطوير القوانين والأنظمة المعنية بذلك. كما يجب التعامل مع بعض المؤسسات الحكومية بمزيد من الاهتمام بعد أن كشفت الإحصائيات عن وجود عمالة وافدة كبيرة في القطاع التعليمي والصحي، مما يكشف حقيقة عدم وجود رؤية إستراتيجية قائمة على التخطيط المستقبلي، ووجود عجز كبير في هذه القطاعات بعد مرور أكثر من سبعة وأربعين عاماً على النهضة العُمانية نجد أننا غير قادرين على توفير مُعلمين ومُمرضين وأطباء فماذا كنا نفعل كل هذه السنوات؟