د. عبدالله باحجاج
عندما نتأمل تاريخ التجارة البحرية العُمانية، وفي المسارات القارية التي وصلتها – كل قارات العالم - وفي ماهية وحجم القوة العسكرية البحرية العُمانية المؤمنة لها في البحار المفتوحة- آنذاك- من المُؤكد سنخرج بالتساؤل التالي: لماذا لم تمارس موانئنا الدور التاريخي نفسه ومن هذا التساؤل يتفرع تساؤل مهم آخر وهو، هل استدراكنا المعاصر لهذا الدور في رؤية 2040، ستُؤثر عليه التحديات الجيوسياسية (الجيوبوليتيك)؟
لن نُحاول في هذا المقال التَّعرض للإشكاليات التي يطرحها التساؤلان سالفا الذكر، فسنتناولهما في مقالٍ خاصٍ، وإنما سنُركز على مُؤتمر عمان للموانئ الذي سينطلق خلال الساعات المُقبلة بمُبادرة من جريدة "الرؤية"، والتي تأتي في توقيت ينم عن الوعي السياسي الذي يقف وراء هذه المُبادرة، كما أنها أي المُبادرة، تعظم من المسار الإعلامي الجديد الذي اختطته الرؤية، وهو "إعلام المُبادرات" وقد أصبحت الرؤية تقوده "انفرادًا واستفرادًا" وتمارسه بتطبيقات مُتعددة في كل المجالات، وتختار المواقيت حسب الأجندة الوطنية المُلحة، وما تقوم به الرؤية، يستدعي التوقف عنده تحليلاً، ورصدًا، ومتابعة، لأنه يتجاوز التقليدية في أدوار المؤسسات الصحفية، ويوسع من نطاقها بصورة مُتصاعدة وذكية، فقد رأينا دور الرؤية في المسؤولية الاجتماعية، ودورها في دعم مبادرات الشباب، والجوائز التي تُقدمها لدواعي الديمومة والتحفيز، فهناك مثلاً، جائزة الرؤية الاقتصادية، وجائزة الرؤية لمُبادرات الشباب .. ورأينا كذلك، اقتحامها الإعلام المسموع، عبر إقامة إذاعة إلكترونية تحت مُسمى"صوت الرؤية" كسابقة عُمانية، تسجل باسمها.
واليوم تحمل الرؤية على عاتقها مسؤولية استنهاض وتحريك دور كل القطاعات – الحكومية والخاصة والمدنية - في الدولة للإسراع في تحقيق الأجندات الوطنية المُلحة، وأهمها، تحريك ملف الموانئ العمانية بعد أن اعتمدتها رؤية عُمان 2040 من بين أبرز القطاعات اللوجستية البديلة لقطاع النفط، وذلك بمبادرتها في عقد مؤتمر عُمان للمؤاني، وقد تفاعل مع هذه المبادرة الجديدة الكثير من المؤسسات الحكومية والخاصة، هادفة من ذلك لتنفيذ المستهدف من إستراتيجية عمان اللوجستية، وذلك عبر الاستعانة بمجموعة خبراء وخبيرات، منها الاطلاع على تجارب الدول الكبيرة، كميناء تشينغداو الصيني، حيث سيقدم مدير الميناء زانج كوينجكاي عرضاً مرئياً حول مبادرة "الحزام والطريق"، ودور الموانئ العمانية في تنشيط حركة التجارة على طريق الحرير الواعد. كما سيُقدم المؤتمر رؤية حول "آليات تعزيز إسهامات السلطنة في التجارة البحرية العالمية".
وتشكل مثل هذه المواضيع، اهتمام الساعة على الصعيدين الإقليمي والعالمي، وفتحها الآن من منظور مدى استفادة بلادنا منها، ومعرفة مدى حجم رهانات بلادنا على قطاع الموانئ، وبالتالي مدى مساهمته في موازنة الدولة السنوية، يعكس فعلا الوعي السياسي لجريدة الرؤية من جهة ورسالتها الوطنية من جهة ثانية، كما أنها تُعبر عن ترسيخ مسار إعلاميٍّ جديد، يتجاوز النمطية والتقليدية للأدوار، ويُدشن حقبة جديد للمؤسسات الإعلامية، فطريق الحرير الجديد مثلاً، هو مشروع صيني، رصدت له الحكومة الصينية ألف بليون دولار، ويهدف إلى إقامة حزام بري من سكك الحديد، والطرق عبر آسيا الوسطى وروسيا، وطريق بحرية تسمح للصين بالوصول إلى أفريقيا وأوروبا عبر بحر الصين والمُحيط الهندي، وسيشمل خمسة وستين بلداً، تمثل ستين في المئة من سكان العالم، وحوالي ثلث إجمالي الناتج العالمي، فمعرفة حجم استفادة بلادنا من موانئها الجيواستراتيجية من مشروع طريق الحرير الجديد مسبقًا، يجعلها على استعداد تام لهذه المرحلة، وعلى علم كامل بالتحديات الجيوسياسة والإستراتيجية التي يمكن أن تواجهها موانئنا، وهذه المعرفة، تجعل سياسة بلادنا الخارجية تعمل على التخفيف من حدة التحديات، فمشروع طريق الحرير الجديد، قد أصبحت كل الدول العالمية والإقليمية، تسعى إلى طلب الانضمام إليه، فمثلا، فرنسا، طالب رئيسها ماكرون خلال زيارته لبكين قبل أربعة أيام فقط، بإشراك أوربا في هذا المشروع، وفتح معها صفحة تاريخية جديدة في علاقات البلدين بعد أن اصطحب معه (50) شخصية من رؤساء كبرى الشركات الفرنسية، وبلادنا، كان لها السبق من بين الدول التي انفتحت على هذا التوجه العالمي الجديد، بدليل مشاركتها التأسيسية في البنك الآسيوي للاستثمار الذي سيكون الذراع المالي لطريق الحرير، واستقطاب استثمارات صينية بالمليارات خاصة في منطقة الدقم الاقتصادية المطلة على المحيط الهندي، لكن، عليها – أي بلادنا - أن تُدرك تحديات التجارة البحرية من منظور تفاعلات قوى إقليمية جديدة، وإقامتها قواعد عسكرية وتجارية على المحيط الهندي، ومحاولتها التأثير على القيمة النسبية التفضيلية للموانئ العمانية، فهل سيتعاطى مؤتمر عُمان للموانئ مع مثل هذه التحديات الجيوسياسية للموانئ العُمانية الإستراتيجية كالدقم وصلالة مثلاً؟
كما أننا نطلع من هذا المؤتمر بالتوصية العاجلة باستيراد سلة غذائنا مباشرة عبر موانئنا المفتوحة على البحار، بدلاً من الاستمرارية في الاستيراد عبر طرف ثالث، خاصة الآن، بعد أن أصبح هذا الطرف يُطبق ضريبة القيمة المضافة، فاستيرادنا سيطاله الارتفاع مباشرة حتى لو لم نطبق هذه الضريبة، فلا يعقل استمرار استيرادنا بنسبة (%50) من هذه الدولة الشقيقة بعد هذا التطور والتطورات السياسية بين الأشقاء في الخليج التي أدت إلى استخدام الحصار والمقاطعة بين الإخوة.
فشكرًا للرؤية، ولقائدها المكرم حاتم بن حمد الطائي، على تأسيس حقبة إعلامية جديدة غير مسبوقة، ومن قبل إعلام غير حكومي، لكنه يظل إعلاماً ملتزماً بالأجندة الوطنية العليا، ومبادر من أجلها بتحريك وتحفيز كل القطاعات من أجل الإسراع في تحقيق الممكن منها، والتحذير من التحديات التي قد تواجهها.