طالب المقبالي
يراودني منذ سنين عديدة هاجس التجوال في ربوع الوطن؛ لما تزخر به السلطنة من مقومات سياحية جميلة بتنوع طبيعتها الطبوغرافية، وتضاريس جبالها الخلابة، وفيافيها وسهولها وكثبانها الرملية الذهبية التي تأسر الألباب.
فما إن يحين موعد إجازة إلا وأخطط أن أزور بعض الأماكن الشهيرة في بلادنا، كالجبل الأخضر وجبل شمس، ووادي بني خالد، والأشخرة، وجزيرة مصيرة، ورأس الحد، وكهف الهوتة...وغيرها.
فتمضي الأيام وتأتي الإجازة، ولكن نشد الرحال إلى المحافظة الساحرة التي قررت الأسرة أن تكون محطة رئيسية لقضاء الجزء الأكبر من الإجازة فيها سنويًّا، لما تتمتع به من مقومات سياحية بديعة، وطقس خرافي جميل؛ للهروب من هجير الصيف إلى جنة الله في أرضه، فيما نخصص بعض الوقت لزيارة أماكن أخرى في بلادنا الحبيبة.
ولعلَّ الصدف في زيارة بعض الأماكن الجميلة في بلانا تلعب دوراً رئيسيًّا في زيارة أماكن لم نحسب لها حسابا، ولم نخطط لزيارتها؛ كون بعض مناطقنا الجبلية وقرانا وأوديتنا متشابهة، لذلك لا نخطط لزيارتها، خاصة وأن الترويج السياحي في تلك القرى والأودية شبه معدوم؛ وبالتالي يتساءل البعض عن مكان هذا الوادي أو ذاك.
فقبل أيام قليلة شاءتْ قُدرة الله سبحانه وتعالى أن أتلقَّى دعوة كريمة من إدارة سبلة بني سعيد بولاية الخابورة؛ لتصوير المسير الذي يعتزم أبناء الولاية تنظيمه في وادي شافان؛ من أجل الإعلان عن المسير، فما إن وطئت قدماي المكان، إذا بي ينتابني شعور بالأسى والحسرة أنني ضيعت سنين من عمري قبل أن أزور هذا الوادي الجميل، الذي تتفيأ ظلال أشجاره الوفيرة حافتا الوادي، الذي تنساب فيه المياه الرقراقة الجميلة مُشكِّلة لوحة بانورامية جميلة.
فوادي شافان -الذي يبعُد عن مركز الولاية حوالي 48 كيلومتراً- يمتازُ بتنوع تضاريسه الجبلية، ووفرة مياهه العذبة، وتنوع المزروعات التي تشكل واحات خضراء جميلة.
فمن مكرمات النهضة المباركة أن شُيِّد الطريق الموصل إليه بالأسفلت وفق المواصفات العالمية الحديثة، مع وجود تصريف لمياه الأمطار والأودية.
فالزائر للوادي سوف يمر بقرى عديدة؛ منها: بيعيق، ووادي قبض، والعقلي، والصفاء، ولفيه، وحيلشي، والغشين، والظليلة، وحيل البراهمة، وحيل بني كثير، والمحدث، وخليباء، والغبرة، وعقير العبريين.. وكل هذه الأودية والقرى تشكل جمالية أخاذة تسرُّ الناظرين.
ومن حُسن حظِّي أن أتلقى دعوة أخرى بحضور المسير، والذي أقيم السبت الماضي، بمشاركة أكثر من 350 شخصا، ولمسافة 11 كيلومتراً.
وفي حوار مع أحد المنظِّمين، أبديت استغرابي من طول المسافة التي يقطعها المسير؛ مما يشكل صعوبة، خاصة على كبار السن. إلا أنني تفاجأت بالنتيجة التي كانتْ على الأرض؛ حيث يتقدم المسير كبار السن من سن 50 سنة إلى 82 سنة، فشاهدت ذلك بأم عيني: رجل كهل في الثمانينات من العمر يتقدم المسير، ووصل خطَّ النهاية بوقت زمني يزيد على الخمس عشرة دقيقة، وفي منتصف الطريق استوقفنا هذا الرجل لالتقاط صور له ولعمل لقاء له، فرفض الوقوف، وقال: "نلتقي عند خط النهاية".. نسأل الله أن يمتعه بالصحة والعافية.
لقد شهد المسير الذي بدأ من أمام مركز صحي وادي شافان بمنطقة الغشين إلى ظاهر السوق مشاركة واسعة من المسؤولين في الدولة، ومن كبار العسكريين والفنانين، منهم على سبيل الذكر لا: الحصر الفنان الكبير المصور خميس المحاربي، الذي سلط عدسته على كثير من مكونات هذا الوادي الجميل.
ومن الأهمية بمكان التطرُّق لموضوع مهم لم يُعلن عنه من قبل، ولم يسبق نشره في أي وسيلة إعلامية، وهو الاكتشافات الأثرية التي ظهرت في منطقة ظاهر السوق نتيجة الحفريات لشق مسار الطريق الذي أنشئ حديثاً، ويجري العمل على استكمال جزء بسيط منه. فقد أكد لي الأهالي ومشايخ المنطقة أن هناك مكتشفات أثرية عبارة عن مبانٍ قديمة بالطين والحجارة، وكنوز من العملات القديمة الموضوعة في ما يُعرف بالجرير، وهي أوانٍ فخارية قديمة، ويقول الأهالي بأنه تم إبلاغ وزارة التراث والثقافة بهذه المكتشفات، إلا أنها المرة الأولى التي يعلن عنها رسميًّا في وسيلة إعلامية من خلال هذا المقال.
وبدوري، أوجِّه خالص شكري وتقديري لإدارة سبلة بني سعيد بولاية الخابورة، ولمشايخ وأهالي وادي شافان، على حفاوة الاستقبال، وكرم الضيافة الذي أولوني إياه، وعلى اختيارهم لي كأول ناشر لخبر الاكتشافات الأثرية، التي ستحول البوصلة إلى هذا الوادي؛ لما يزخر به من مكنونات ستكشفُ الأيام المقبلة عن أهميتها، وأهمية هذا المكان.
muqbali@hotmail.com