رجلٌ نائمٌ في ثياب الأحد

حسين بن حمزة – سورية

 

(1)    (شيخوخة)
الذين ما عاد بإمكانهم أن يعودوا أدراجهم
مكتفين بأكثر من الثلاثين بقليل
ولم تعد الأربعون وما يليها سبباً كافياً للمُضيّ.
الذين ليس لديهم شيء يفعلونه أيام الآحاد.
الذين يفكرون أن قليلاً من التريِّض صباحاً يزيل التجاعيد التي أضافوها مؤخراً على أسمائهم.
الذين عاشوا بعيداً عن مساقط رؤوسهم فاستمرت حياتهم هناك في غيابهم.
الخاسرون دائماً،
الموهوبون في الندم،
البارعون في صناعة الذكريات،
مقتنو الوحشة ومربّو جِرائها.
الذين ما أن يكونوا وحيدين حتى يضعوا ملح الماضي على أصابعهم ويلعقونها
أو يهرعون الى الخزانة بحثاً عن صورهم القديمة عندما كان باستطاعتهم أن يضحكوا.
الذين يُستحسن بهم أن يتمسكّوا بالدرابزين
وهم يصعدون الطوابق ذات المصاعد المعطَّلة.
الذين يروّجون لفكرة أن الاستحمام يومياً يجعل كآبتهم أكثر وسامةً،
وأن نزهة يومية على البحر
قد تجعل أحلامهم زرقاء وصافية.
الذين يحبّون النساء
بمجرد التعرّف على أسمائهن الأولى.
العاجزون عن إضافة صحنٍ صغير من البهجة على مائدة أيامهم.
الذين يعثرون على حياتهم في الروايات
لكثرة ما جفَّفوا
أزهاراً في الكتب..

(2)    (غُرَفْ )
مكتفياً
بالحياة القليلة التي استأجرْتُها في تلك الغُرَفْ
بما كان يتسرَّبُ اليها من درفة نافذةٍ وحيدة
بتلك الجَلَبة الخفيفة التي تشبه خفقة جناحٍ لطائرٍ في قفصْ
هناك
حرَّكْتُ أقلَّ ما يمكن من الهواء
وأنا أتجوَّل في الممرِّ المؤدي
الى الشرفة أو المطبخ
هناك
أفسدتِ الرطوبةُ اسمي
بينما كنتُ أتداعى تحت ضربات الوحشة
منكبَّاً على ترجمة الأعمال الكاملة للنَّدمْ
هناك
ثابرْتُ على نحتِ تمثال أَرَقي، مُضيفاً إليه، كل ليلة،
ما يكفي من صلصال السَّأم الذي يليقُ بنصبٍ تذكاري
هناك
ربَّيتُ كآبتي
ورحْت أُنزِّهها، كل مساء، على البحر
متأمِّلاً أن تضيع، مثل كلبةٍ بيضاء ومنقَّطة،
في الزِّحام
هناك
مدَّدتُها على سريري
دفَّأْتُها بالشراشف
ضاغطاً على يدها
بيديَّ اللتين تشبهان
أيدي النِّساءْ.

(3)    (رجلٌ منفرد على الكمان)
ليسَ له
إلاَ صداقةُ الكَتِفْ
وما عليكْ
سوى أنْ تَرْفَعَ الكَمان
حتّى تُشفى السّاحاتُ بالرَّقصْ
وتكتظّ الشُّرفاتْ
بذلكَ النّوع من الصّبّارْ
الذي يَموتُ بشكلٍ أفضلَ
في البريَّة.
ما عليكْ
سِوى أنْ تَحُكَّ أرواحنا
بذلك الشَّيءْ
حتّى
تَسْرَحَ أحزانُنا بعيداً
كالماعِزْ!

تعليق عبر الفيس بوك