صباح الأحمد. أمير الإنسانية


 حميد بن مسلم السعيدي
السلام كلمة لا يشعر بقيمتها إلا من يفقدها، ويعيش مرحلة الحروب والصراعات، والكويتيون يدركون جيدًا معنى هذه الكلمة، فقد عاشوا مرحلة الحرب وويلاتها ومرارتها، ودفنوا شهداءهم في تربة الكويت وودعوا مرحلة لم تكن تمر دون أن تكون التضحية كبيرة جداً ولكنها هي فداء الوطن.
واليوم يحمل الأمير صباح الأحمد على كاهله أمن واستقرار ليس الكويت وحدها فحسب؛ إنما أمن واستقرار منطقة الخليج العربي، لأنه يدرك جيداً أنَّ الصراعات والخلافات بين الأشقاء تصبح عائقاً أمام التقدم والرقي لدول الخليج العربي، وتقف جداراً أمام تحقيق المواطنة الخليجية، فمهما كان الخلاف موجودا بين الأشقاء فإن رابط الدم والروح والأرض، يبقى الأمل الذي يرفع راية السلام في ساحات الخلافات.
والواقع الذي تعيشه منطقة الخليج العربي اليوم، له العديد من التأثيرات على المواطن الخليجي أولاً، سواء كان على حياته الخاصة، أو الاجتماعية، أو الاقتصادية، فما تحقق خلال الفترة الماضية من تكامل في العديد من المجالات، كان قائماً على المواطن الذي عاش مرحلة الوطن الواحد في ظل منظومة مجلس التعاون الخليجي، ولا يمكن أن يتم إقصاء هذه المنظومة أو القضاء عليها، دون ايجاد مسار للتقريب بين دول الخليج العربي، وهذا ما يُدركه سمو الأمير صباح الأحمد، والذي يعمل على القيام بدور أساسي في مُعالجة كل الإشكاليات التي تمر بها المنطقة، إدراكا منه بأن العمل التعاوني وتحقيق رفعة ومكانة المواطن الخليجي، لابد أن يكون من خلال منظومة الخليج العربي.
لذا فقد عمل الشيخ صباح الأحمد خلال الفترة الماضية على تقريب وجهات النظر والتقليل من حجم الأزمة الخليجية، وقد حقق جزءا من غاياته، ومع ذلك فما زال مصرًا على ضرورة مُعالجة هذه الأزمة الخليجية من خلال طاولة الحوار، لذا فإن انعقاد دورة مجلس التعاون الخليجي في الكويت عاصمة السلامة، كان الغاية منه تجميع الإخوة في قبة كانت رمزاً للعمل والتعاون الخليجي، لذا فقد أشار الشيخ صباح الأحمد في كلمته إلى أننا يجب أن نعمل على تحقيق الوحدة الخليجية ولنثبت للعالم أننا إخوة أشقاء مهما كانت الظروف والتحديات، إدراكا منه لأهمية العمل الخليجي التعاوني، ورؤية سموه أن منظومة الخليج العربي لا يمكن أن تكون فاعلة دون تحقيق الوحدة الخليجية ومعالجة كل قضايا الخلاف بين دولها، حيث يؤكد سموه على أننا "نجحنا في عقد الدورة الثامنة والثلاثين في موعدها المُقرر لنثبت للعالم أجمع حرصنا على هذا الكيان وأهمية استمرار آلية انعقاده، مكرسين توجها رائداً، وهو أن أي خلاف يطرأ على مستوى دولنا، ومهما بلغ، لابد وأن يبقى مجلس التعاون بمنأى عنه لا يتأثر به أو تتعطل آلية انعقاده".
وهذا الحرص من سمو الأمير صباح الأحمد دليل على مدى الرؤية المستقبلية والحنكة السياسية التي تدفعه للحراك بصورة مستمرة بين دول الخليج العربي، سعيًا منه لإيجاد الحلول وتقريب وجهات النظر، بما يُساعد على تحقيق رؤية تقاربية بين الأشقاء الخليجيين، في إشارة منه إلى أن الجهود التي يبذلها لن تذهب سدى، فهناك ما زال أمل قائما من أجل تحقيق الوحدة الخليجية الفاعلة بين دول المنطقة، مما يحقق العديد من الأهداف والغايات التي يترقبها المواطن الخليجي.
وفي ظل هذه التوجهات تأتي بطولة مجلس التعاون للخليج العربي لكرة القدم تتويجا لجهود سُّموه في تجميع الإخوة الخليجيين تحت مظلة واحدة، في مدينة السلام الكويتية، لذا فإنَّ هذه الاحتفالية الخليجية الكروية تمثل الساحة التي يتجمع فيها الخليجيون لتحقيق هدف التنافس الرياضي، وهي في الواقع مناسبة يترقبها الجميع نظراً لما يحققه هذا التجمع من أهداف وغايات تقرب بين الإخوة الخليجيين، في ظل روح الإنسانية التي تجمع كل الخليجيين، ويكفي حقاً ذلك العبور من سموه في ساحة الملعب ليلقى سلام الإنسانية على كافة الجماهير الخليجية التي ترقبت ذلك المساء تلك اليد التي مدت رسالة السلام، في إشارة من سُّموه إلى أننا نتجمع اليوم من أجل أن نكون إخوة في مدينة السلام التي ترحب بالجميع، وسعى نحو تحقيق التجمع الرياضي والثقافي والاجتماعي بين أبناء الخليج العربي، فالرياضة هي ساحة للتنافس والتقارب، أما بين دول الخليج العربي فهي ساحة للصداقة وتقوية الروابط والعلاقات بينهم، لذا يترقب أبناء الخليج هذه المناسبة من أجل حضورها والتعايش مع الأحداث التي تشهدها؛ لأنها تمتزج بروح التنافس والأخوة.
فالشيخ صباح الأحمد يحمل رسالة إنسانية هادفة إلى تحقيق السلام والأمن لكل شعوب المنطقة والعالم أجمع، منطلق من توجهات تهدف إلى بناء وحدة خليجية مشتركة لذا فهو يدعو قادة دول المجلس نحو العمل على بناء المواطن الخليجي "لتحقيق المزيد من الإنجازات التي تحقق آمال وتطلعات شعوبنا فنحن مدعوون إلى التفكير الجدي للبحث في الآليات التي تحقق أهدافنا والأطر الأكثر شمولية والتي من خلالها سنتمكن من المزيد من التماسك والترابط بين شعوبنا". وهنا يدعو سُّموه للتوجه نحو بنا المواطن الخليجي، وتحقيق أمنياته من أجل تحقيق مرحلة أكثر تقدماً ورقياً من الماضي، من خلال الوحدة الخليجية، لأن هناك العديد من العوامل المشتركة بين دول المنطقة والتي تتمثل في وحدة اللغة العربية، والدين الإسلامي، والتاريخ المُشترك، والموقع الجغرافي، والحدود المشتركة، والروابط الاجتماعية، والعرق الواحد، والتي أسهمت في تحقيق الوحدة السياسية والاقتصادية تحت مظلة خليجنا واحد.
فالحكمة في هذا العالم المتضارب والمتسارع في واقعه هي عملة نادرة، فقد أصبحنا نعيش مرحلة تتطلب الكثير من الحكمة والصبر والتنازل عن العديد من المصالح في سبيل تحقيق الأمن والاستقرار العالمي، مما يتطلب بناء علاقات إيجابية مع جميع شعوب العالم، فالمجتمعات التي تنظر للمستقبل تركز على علاقات الصداقة والاستفادة المتبادلة بينها، مما يخلق نوع التكاملية في الأداء، وينعكس إيجابًا على المستوى المعيشي للفرد والمجتمع.

Hm.alsaidi2@gmail.com