مخرجات ذوي الإعاقة السمعية.. إلى أين؟

علي كفيتان

قبل قرابة شهر، شاهدتُ رجلاً يحمل ملفاً سميكاً مليئًا بالأوراق، كنا ننتظر الدخول إلى مسؤول بإحدى الجهات، جرني الفضول لسؤال الرجل عن سر ذلك الملف الثقيل الذي يحمله، وعلمت أنه يحمل همَّ عام؛ حيث ذكر لي أن هناك حوالي عشرين طالبا وطالبة من ذوي الإعاقة السمعية (الصم)، سينهون دبلوم التعليم العام في ظفار، هم عبارة عن الفوج الأولى من هذه الفئة في المحافظة، بعد أن قامت وزارة التربية والتعليم -ممثلة بدائرة البرامج التعليمية بالمديرية العامة للترابية والتعليم بظفار- بتخصيص صفين دراسيين أحدهما للذكور والآخر للإناث، واعتباراً من هذا العام ستتدفق مخرجات تلك الفصول منهيةً شهادة الدبلوم العام في ظل تطلعهم لاستكمال دراستهم العليا بوجود خيارين وحيدين فقط، وهما إما في جامعة السلطان قابوس، أو كلية الخليج الخاصة، وكلتاهما في العاصمة مسقط، وسرد لي الرجل كل التفاصيل وجهاده المستميت لفتح الفصول والتحديات التي واجهته مع وزارة التربية والتعليم، وصولاً إلى أولياء الأمور...وغيرها من الصولات والجولات لهذا المجاهد المتطوِّع النادر في عالم اليوم. ولم أجد شيئًا أدعمه من خلاله إلا هذه الأسطر، علَّها تحرك الماء الراكد في الإناء، في ظل السعي الحثيث للحكومة الرشيدة لمنح مبدأ تكافؤ الفرص لكل العمانيين بمن فيهم ذوي الإعاقة، ويلاحظ المتتبع للإعلام الاهتمام غير المسبوق بهذه الفئة من المجتمع؛ ففي الأمس القريب احتفلت السلطنة باليوم العالمي لذوي الإعاقة؛ حيث أفردت الصحف اليومية مساحات جيدة للحدث، وتحدثت الجهات المعنية عن الإنجازات والأرقام؛ مما يُثلج الصدر بأنَّ هناك من يكفل إدماج هؤلاء بشكل سلس في المجتمع العُماني، الذي يفسح المجال واسعاً لجميع أفراده، ويمنحهم الرعاية التي تليق بهم، ليعملوا معاً على استكمال بناء عُماننا الغالية.

ويتميز ذوو الإعاقة السمعية (الصم) بأنهم يتمتعون بكامل الحيوية؛ فهم يمتلكون حواس أخرى مهمة تجعلهم في مقدمة ذوي الإعاقة الذين يُمكن تأهيلهم وإدماجهم في المجتمع، ولا يختلف اثنان على أن مستوى الاجتهاد والإتقان يعتبر عاليا لدى هذه الفئة حتى على المستوى العالمي؛ فكم رأينا منهم في المؤتمرات والملتقيات العالمية ممن تخطُّوا حواجز الإعاقة إلى الإبداع والاختراع، والتجارب لدينا شاهدة في سوق العمل العُماني على الإنتاجية العالية للصم في مختلف الوظائف.

... إن ابتعاث هؤلاء من ظفار إلى مسقط وهم في أمس الحاجة لرعاية ومتابعة أسرهم، يشكل تحدياً كبيراً، فكم رأينا طلابًا غير معاقين، ولا يستطيعون التأقلم مع السفر والغربة، فما بالك بذوي الإعاقة؛ فالتحدي كبير بكل المقاييس، فمن الذي يستطيع التعامل معهم في الحياة اليومية خارج الجامعة؟ وكيف سيتدبرون أمورهم بعيداً عن أسرهم؟ من المؤكد أن هذه الخطوة ستولد أمرين إما الإخفاق في الاندماج عند الابتعاث وهذا أمر حتمي، أو رفض الأسرة ابتعاث أبنائها بعيداً عن رعايتها خوفاً من استغلالهم خارج الإطار الصحيح، وفي كلتا الحالتين النتيجة واحدة، وهي حرمان هذه الفئة من التعليم العالي، والاكتفاء بشهادة الدبلوم العام، وهذا بدوره لن يُشجع الأسر مستقبلاً لتعليم أبنائها من هذه الفئة؛ مما يعني في النهاية ركن هؤلاء بعيداً عن عجلة التنمية للوطن المحتاج لسواعد جميع أبنائه.

هم لا يتكلمون لأنهم لا يسمعون، ينظرون إلينا على أننا الأمل الوحيد بعد الله القادر على بعث قدراتهم المتقدة، نعم تراهم يحركون أصابعهم ويستخدمون شفاههم التي لا تستطيع النطق إلا ببعض التأوهات، ويوظفون كل أطرافهم لتصلكم الرسالة، في عيونهم الصدق والإخلاص والبراءة معا، لقد أصبحت تلك العيون هي الوسيلة الوحيدة لهم ليشرحوا لنا كم هم توَّاقون للمستقبل، أكاد أجزم بأنهم يحملون ولاءً من نوع خاص لجلالة السلطان يندر وصفه والتعبير عنه، إلا عبر عيونهم وقلوبهم المفعمة بحب الوطن والإخلاص للسلطان.

ومن هذا المنبر، نناشد الجهات المختصة بوزارة التعليم العالي إيجاد حل لاستكمال مخرجات الدبلوم العام من ذوي الإعاقة السمعية لدراستهم العليا في المحافظة، ونعلم أن جامعة ظفار بإدارتها الحريصة على خلق التميز وفتح آفاق الابتكار ستستجيب لمثل هذا النداء، إضافة للكليات الحكومية التي تتبع وزارة التعليم العالي (الكلية التطبيقية)، أو حتى وزارة القوى العاملة من خلال (كلية التقنية - الكلية المهنية) بمحافظة ظفار.

عيونهم شاخصة لكم أيها الأسوياء لتمنحوهم الفرصة للإبداع.

alikafetan@gmail.com