الدعم والعدالة الاجتماعية

 

حاتم الطائي

على مدى الأيام الفائتة، لم يكُن للعُمانيين حديثٌ يعلو فوق النقاش المجتمعي الواسع حول ما أعلنته اللجنة المكلَّفة من مجلس الوزراء بمتابعة أسعار الوقود، واعتمادها آلية وشروط تطبيق نظام الدعم الجديد.. وهو نقاشٌ عكسَ -على تباين ردود أفعال أطرافه، ونَظْرةِ كل مُؤوِّل منهم- وعيًا مجتمعيًّا آخذٌ في التنامي، محصِّلته النهائية تصبُّ في صالح الشعور المسؤول والمتبادل بَيْن الحكومة والمواطن؛ والذي كان مَخَاضُه عامين من الأزمة الاقتصادية، راهنَ فيها الجميع على قدرة أبناء هذا الوطن على استيعاب الواقع، ومؤازرة حكومتهم، ودعم تحركات رسمية تسعى للتقليل من تداعيات ما يحدث؛ فكان نتاج ذلك موازنة خَيْر نترقَّب خلال أيام الإعلان عن تفاصيلها المبشِّرة، ونظام دعم وطني يُخفِّف تبعات وآثار تعديل أسعار الوقود، ويُحقق مبدأ العدالة الاجتماعية.

وعودٌ على نظام الدعم الجديد، فقد أخذ الموضوع حيزًا واسعًا من النقاش؛ وأفرز تباينًا في فهم أبعاده؛ فنال بعضها من جدواه، فيما بالغ الآخر مُبتعدًا عن الواقع، وكلاهما انبنتْ وجهة نظره إمَّا على عدم إلمام، أو طموح زائد على الحد، أساسه فكرٌ تقليديٌّ مُترسخٌ عن "الدور الرعوي" للحكومة في المنح والعطاء.. وهي نقطة في غاية الأهمية، تمسُّ صميمَ أدوارنا نحن المواطنين ومسؤولياتنا وطريقة تفكيرنا، التي آن لها أن تتغير، لتكافئ هذا الحراك واسع المدى، والهادف لمستقبل يضطلع فيه الجميع بأمانة مسؤوليته في البناء والشراكة الفاعلة لمواصلة مسيرتنا التنموية، ودعم كافة الخُطى الرامية لاستدامة الموارد وتوسيع القاعدة الإنتاجية لاقتصادنا الوطني، خصوصاً وأنَّ كل قرار أو إعلان عن تحرُّك جديد، يُلازمه تأكيد على حرص متواصل -وبدأب شديد- من أجل توفير معيشة كريمة للمواطن. وهو ما يُمكن تلمسه بكل يُسر من النظام الجديد -على وجه الخصوص- وفق قراءة متأنية لشروطه المتوازنة التي تضمن أن يذهب الدعم لمستحقيه، وأنَّ الميزانيات الضخمة المرصودة له لن يذهب منها ريال واحد هدراً.. وأضرب مثالًا هنا للتدليل فحسب: فمع عدم اشتراط أو تحديد فئات مُعينة للاستفادة، وُضِعَت ضمانات استحقاق تكفل تحقيق المعادلة؛ بضمان ألا يتساوى مَنْ يقل دخله عن ستمائة ريال مع مواطن آخر يزيد دخله على ذلك، وربط الأمر برمَّته مع نظام مُتماسك يعتمد على أحدث التقنيات، والأنظمة الإلكترونية التي تتضافر فيها الجهود بين الجهات المعنية، من أجل ضمان دقة البيانات وسهولة التطبيق.

جانب آخر يستحق الوقوف عنده مليًّا، يبتعد قليلًا عن الآليات، ويتماس كثيرًا مع الحرص على صَوْن حقوق المواطن؛ وهو توقيت إصدار النظام الذي يجيء في فترة زمنية عصيبة على العالم، تتجه فيها الحكومات من حولنا لتبنِّي سياسات رَفع الدَّعم وتقليصه وتحرير الأسعار، إضافة للوقت القياسي الذي تمَّ خلاله استكمال آليات وإجراءات تنفيذ النظام، منذ صدور التوجيهات السامية من لدن مولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- لمجلس الوزراء الموقر، بتخصيص بند في الموازنة العامة يُقدر بمائة مليون ريال، تُخصَّص للمستفيدين من الدعم، وهو صراحةً إنجاز جديد لرصيد كبير أهم ما يميِّزه الاهتمام بالمواطن، والاقتراب من همومه، وتفاصيل معيشته، والحرص على توفير سبل الحياة الكريمة للجميع.

إنَّ إضاءات كهذه، تضع المواطن اليوم، وكل يوم، وجهًا لوجه أمام مسؤولياته الكبرى، للمبادرة بإمساك زمام الإيجابية، والعمل الوطني الجاد لصَوْن ما تحقق له وإنمائه، وتخلي بعض المواطنين عن تلك النظرة المتشائمة القائِمة على التقليل والنيل من كلِّ ما هو جَيْد من حوله، وإدراك حقيقة الواقع لتبنِّي طموحات توازي الإمكانات، وتعظيم تلك الطاقات الداخلية الدافعة لعجلة التنمية إلى الأمام بأقصى سرعة وإتقان.

نعم.. واجهنا وواجه الوطن الكثيرَ من التحديات، لكننا حققنا أيضًا الكثير، وتحقَّق لنا المزيد من الكثير، لكنَّ مُعطيات ومتغيرات واقعنا اليوم تتطلب أدوارا جديدة من الجميع؛ فالكل مدعوٌّ لتبني مسؤوليته فيما هو مطلوب منه، لا نريد أن نظل مجرد مُستقبلين ومستحقين، وإنما فاعلين حقيقيين يحفرون أسماءهم على لبنات النهوض، ويسهمون في تحقيق استدامة التنمية. وفي المقابل، ونحن ننتظر تطبيق النظام على أرض الواقع، مطلع العام الجديد، ننتظر كذلك توضيحًا للجهود الحكومية وآليات المتابعة لضمان وصول مبلغ الدعم كاملًا لمستحقيه، فكما نطلب مكافأة الطموحات للجهود الحاصلة، كذلك نأمل أن تضع الخطوات التكميليَّة للنظام الجديد ثقةَ المواطن نُصب عينيها.. فتلك هي مُعادلة الشمول والاستدامة.