حل الأزمات بالتخلي عن رابطة العنق

زينب الغريبية

لا توجد حياة بلا أزمات أو مطبات، ويمر كل مجتمع بعقبات اقتصادية وسياسية وثقافية واجتماعية، إلا أنّ المجتمعات تختلف في تفكيرها لكيفية حل الأزمات وأيضا في جديتها في التعامل معها؛ فهناك مجتمعات تربي الأزمات بل وتجعلها تتكاثر، وتبدأ بالتعامل مع أولاد تلك المشكلات وأحفادها، وهناك مجتمعات تدير ظهرها للأزمات وتحولها إلى مسألة دينية تعالجها بالدعاء دون أن يصطحب ذلك الأخذ بالأسباب، وهناك مجتمعات حين تواجه أزمة أو إشكالية تقرر حلها بل وتعمل على تحويل الخسائر من الأزمة إلى أرباح، وفي كل ردات الفعل تلك لابد من توفر مجموعة من القيم، منها الشفافية والثقة، والتعاون، والتخيط السليم، والامتثال للأوامر، وتقديم النماذج التي تجعل البقية يتقبلون المشاركة في الحل، وتعزيز هذه القيم شرطا لحل الأزمات، ويسأل بعض المجتمعات لماذا تحل أزمات في مجتمعات رغم تعقدها وزيادة عدد سكانها، في حين لا تحل أزمات صغيرة رغم أنّ المجتمعات صغيرة والجهاز الإداري أيضا صغير، إنّها المفارقات التي تتيح لنا التقصّي من أجل التعلم، ولا ضير أن تتعلم الأمم الصغيرة من الأمم الكبيرة حتى تضع نفسها على الطريق الصحيح بدلا من التفرج فقط على الإشكاليات التي تواجهها، هذا الطرح يقودني إلى اليابان في عام 2005م حين واجهت وزارة البيئة ارتفاعًا كبيرًا ومستمرًا في استهلاك الكهرباء، وأنّ موارد الطاقة تحتاج إلى ترشيد عاجل، وهو الأمر الذي تواجه مجتمعات الخليج اليوم من ارتفاع الانفاق الحكومي في ظل انخفاض الإيرادات، ولنرى كيف تعاملت اليابان مع أزمتها، حتى نعزز من تعامل مجتمعاتنا مع أزمتها الاقتصادية ولا أحد كبير على التعلم، قامت وزيرة البيئة حينها يوريكو كويكي في التفكير بحلٍ لهذه الأزمة ولم تقل أنّها مسؤولية الوزارة الفلانية، وألا دخل لنا فيها، فالجهاز الحكومي الياباني يوصف بأنّه أكثر الأجهزة عبر العالم انسجاما بين وزاراته وهيئاته المختلفة، وأطلقوا تجربة لحملة الحل لهذه الأزمة وتدعى (cool Biz) ، وحددوا ثلاثة أشهر للتجربة، حيث تمت مطالبة الجميع بوضع درجة حرارة أي جهاز تكييف على 28 درجة وعدم خفضه تحت أي ظرف كان، وقاد هذا الحل إلى ظهور تحديات تكييف وهي أنّ هذه الدرجة من الحرارة ستقود إلى صعوبة لتأدية العمل من قبل بعض الموظفين بملابسهم الرسمية الأنيقة، وقد وُضع حل لهذا التحدي وهو أن يحضر الموظفون بدون ملابسهم الرسمية -البدلة وربطة العنق- وأن يرتدوا بدلا من ذلك ملابس قطنية خفيفة تمكن من امتصاص الرطوبة، وظهر من الحل مشكلة أخرى وهي شعور الموظفين والمسؤولين الكبار بعدم التهذيب والدونية خاصة أمام الوفود الأجنبية الرسمية، ومع ذلك بدأ رئيس الوزراء بالالتزام  بذلك بنفسه، الأمر الذي أدَّى إلى تقليل المطالبة بإلغاء القرار، فالالتزام بدأ من أعلى هرم في الحكومة، وتبعه البقية على مختلف المستويات من الأعلى إلى أصغر موظف، وبذا بدأت الأزمة في التلاشي، بل والتحول في المسار الآخر وهي أن تتحول إلى أرباح ونجاح.

فعندما تأخذ الحكومة الأمور بجدية وتنظر إلى نفسها بأنها مسؤولة عن إيجاد الحلول، وتبدأ بنفسها فذلك أفضل إقناع لكل من يشعر بتردد في دعم الحملة، لأنّ الجميع شعروا أنهم ليسوا وحدهم في مواجهة الأزمة، وأنّ الذين يقنعونهم بالامتثال للحلول يمتثلون لها قبلهم، لذا نجحت فترة تجربة الحملة وقادت إلى توفير 210 ميلون كيلو وات/ ساعة خلال الأشهر الثلاثة، وخفضت من إجمالي انبعاثات غاز ثاني أوكسيد الكربون بمقدار 460 ألف طن. نعم تأثر قطاع صناعة رابطات العنق كثيرا من هذه الحملة، ولكنها في المقابل قادت إلى انتعاش قطاع الملابس القطنية بـ 18 مليار، والاقتصاد الياباني بأكمله بمائة مليار، إذن قد قادت الأزمة إلى انتعاش وإلى نمو في الاقتصاد، هل يمكن أن نحول أزماتنا إلى أرباح وفوائض بدلا من أن تقودنا إلى مزيد من الخسائر، هل يمكن أن نتمكن من تحقيق هذا الامتثال من الجميع من أجل دعم الاقتصاد، هل يمكن أن يحدد وزراء الحكومة الأزمات ويقودون بقية المؤسسات والمجتمع إلى حلول، أم أنّهم يعملون على تجاهل ما يرون بغية تجنيب أنفسهم أيّة إشكاليات مع الجهات الأخرى، لابد أن نتعلم من كل ما نقرأه من حولنا، فالمهمة ليست مستحيلة ولكن الناس يريدون نماذج يمشون وراءها، ويريدون معلوماتٍ وبيانات يثقون بها، ومن المفارقات أن هذه الحملة ذات الطابع الاقتصادي لم يقم بقيادتها وزير الاقتصاد والصناعة إنما قادتها وزيرة البيئة، ولم يقل أحد أن وزير البيئة ليس مؤثرا ولا يملك الخبرة لحل الأزمات وتحقيق هذه الأرباح من هذه الأزمة، وبالفعل تمت محاصرة الإشكالية وحلها ولم تترك للتداعي والتفاقم، لتؤثر بالتالي على مختلف القطاعات.