مدينة تجارية حرة للشباب العماني

زينب الغريبية

كلُّ ما يوجَّه للشباب اليوم إذا ما سألوا عن التوظيف، أن الحل هو في ريادة الأعمال في المشاريع الصغيرة والمتوسطة، وكل التصورات المستقبلية التي نتابع نقاشاتها في الآونة الأخيرة تركز على هذا التوجه، وترى أنه ليس حلًّا فقط للباحثين عن عمل من الشباب إنما تمثل خيارا بديلا لبناء الاقتصاد الوطني على أسس وطنية وبكوادر عمانية، وهذا بلا شك خيار يتفق الجميع على أهميته وجدواه على المدى الطويل، ونرى جميعا أن ترسيخ الأقدام العمانية في قلب السوق يمثل نجاحا سيقود لنجاحات أخرى مرتبطة به، في ظل منافسة شديدة يواجهها الشباب الذي يتقدمون للوظائف المحدودة التي يعلن عنها بين فينة وأخرى، ولكن الإشكالية أن مثل هذه الدعوات تتطلب الكثير من الحكومة ومؤسساته لدعم الشباب وتقديم التسهيلات المختلفة لهم، بدلا من تركهم لوحدهم يناضلون في سوق تسيطر عليه قوى كبرى رسخت وجودها خلال العقود الماضية من عمر النهضة العمانية، هل يكفي أن يقدم لهم التمويل فقط؟ هل يكفي مساعدتهم في إعداد دراسات الجدوى؟ هل يكفي جمعهم لتقديم جائزة للمتميزين منهم؟ هل يكفي تشجيعهم المعنوي الدائم والتغاضي عن الإشكاليات الحقيقية التي يواجهونها والتي لا تخفى على أحد؟ كل ذلك بالتأكيد لا يكفي لبناء قاعدة عمانية صلبة من رواد الأعمال، ومهما برزت بعض التجارب الفردية الناجحة هنا وهناك، لا يجب القياس عليها كمؤشر لوجود بيئة محفزة وصالحة لنمو هذه المشاريع الصغيرة والمتوسطة.

ما أود الدعوة إليه في هذا المقال هو تأسيس مدينة تجارية حرة للشباب العماني، تُعطى فيها امتيازات كثيرة وتسهيلات لوجستية من دعم وتمويل وإدارة تعمل على التسويق والترويج وجلب الاستتشمارات والاتفاقيات للمشاريع الموجودة في هذه المدينة، وقد يقول قائل هناك دعم يقدم للشباب حسب مشاريعهم، وأقول إن هذا الدعم لو قُورن بالدعم الذي قدمته الدولة لكثير من المشاريع الكبيرة التي لم تثبت نجاحا يذكر سيكون محدودا جدا، فلِمَ يتم دعم المستثمرين الكبار بشكل سخي، في حين لا يحصل المستثمرون الصغار إلا على دعم محدود جدا؟! أليست هذه مفارقة كبيرة في ظل الدعوات التي تخرج من كل مكان للشباب للمضي في تأسيس أعمالهم الصغيرة والمتوسطة؟

سيوفر وجود مدينة حرة للشباب العماني قاعدة صلبة جدا لانتعاش قطاع المستثمرين الصغار، وستتيح فرصا كبيرة لتبادل الخبرات بين الشباب الذين سيقومون ببناء هذه المدينة بمشاريعهم واستثماراتهم المختلفة، وستعمل على تجميع كثير من المشاريع في منطقة واحدة تتيح فرصا للاعتماد المتبادل بينها، بما يزيد من فرص النجاح، كما ستعمل على نشوء ابتكارات مختلفة، وانطلاق مبادرات عديدة إلى الخارج، وستعطي نواة لمدن أخرى يمكن أن تنشأ في مختلف المحافظات العمانية لاحقا على غرار المناطق الصناعية التي ظهرت خلال العقود الماضية، وستتيح لروائد الأعمال إدارة جماعية تعمل على الارتقاء بأعمالهم، وعمل شراكات مع مختلف المدن الاقتصادية الموجودة في الدقم وصحار وظفار، وكذلك مع كبرى الشركات داخل البلد وخارجها، وسيوفر ذلك فرصا لتقديم الدعم التدريبي لهؤلاء الرواد من الجهات المتخصصة، وستكون مدينة تفخر بها عمان وتجعلها محطة رئيسية لمختلف الضيوف لزيارها.

يعد العمل على تخصيص مدينة حرة لرواد الأعمال من صغار المستثمرين خطوة جدية لترجمة كل الخطابات الحكومية لدعم هذا القطاع، واعترافا عمليا بقيمة مساهمات الشباب في الاقتصاد العماني، كما ستقود إلى التقليل من أعداد الباحثين عن عمل؛ لأنَّها ستعمل على ظهور كثير من الشركات الجماعية التي يؤسسها الشباب؛ لذا أدعو مختلف الشباب من الرواد حاليا في مختلف القطاعات الخدمية والإنتاجية إلى دعم هذا المقترح بمختلف الوسائل المتاحة، وإلى دراسة الفرص والتحديات المترتبة عليه، وصولا إلى وجود قطاع شبابي اقتصادي قوي قادر على البقاء في ظل المنافسة الكبيرة التي توجد في السوق.