طالب المقبالي
عُرفت السبلة منذ قديم الزمن عند العمانيين بأنها المكان الذي نستقبل فيها الضيوف الذين يفدون إلينا من أماكن بعيدة.. فهناك السبلة الخاصة وهي التي تُنشأ في المنازل لاستقبال عدد معين من الضيوف، وغالباً ما تكون صغيرة بقدر الراحلة التي تقل الضيوف القادمين من أماكن بعيدة؛ بحيث تستوعب عددا قليلا من الزوار بعدد أصابع اليد، وفي الغالب يكون الضيف الذي يستضاف في السبلة المنزلية من الأقارب والأرحام.
والنوع الآخر من السبلة هو: سبلة القرية أو الحارة، وتكون كبيرة، وتستوعب أعداداً أكبر من الضيوف، وغالباً ما تكون بجوار مسجد القرية، وهذا النوع من السبل يستخدم لأغراض عديدة؛ منها: إقامة الضيوف فيها، وإقامة المناسبات فيها كالأفراح في مناسبات الزواج، وفي مناسبات ختم القرآن الكريم، وحفلات الأعياد والمناسبات الدينية، كالاحتفال بعيد الفطر المبارك، والاحتفال بعيد الأضحى المبارك، والاحتفال بليلة العقبة، وهي ليلة الخامس عشر من شهر رمضان المبارك، والاحتفال بالمولد النبوي الشريف، وليلة الإسراء والمعراج، وكذلك الاحتفال بختان الصِّبية التي كان يحتفى بها قديماً وتعتبر نوعاً من أنواع الطهارة والتحول من مرحلة الطفولة إلى مرحلة الكبر والرجولة. كما تستخدم كمدارس لتحفيظ القرآن الكريم، وإقامة دورات تعليمية لأهل القرية، لا سيما النساء؛ بحيث تكون الحلقات التعليمية للرجال في مسجد القرية.
أما اليوم، فمعظم هذا الدور الذي تقوم به السبلة قد اضمحل، مع محاولات من وزارة التنمية الاجتماعية لإحياء هذا الدور للسبلة؛ من خلال تشجيع الأهالي، ودعم جهودهم الذاتية، كمساهمة منها وتشجيعاً لهم في إحياء هذا الدور.
في حين اعتمدت وزارة الاسكان تخصيص قطع أراضٍ خُصصت للمجالس العامة في المخططات الإسكانية الجديدة، وقد أنشئت مجالس كبيرة في معظم الولايات بجهود ذاتية، وبمساهمات من القطاعين الحكومي والأهلي، دعماً لهذا الجانب الاجتماعي النبيل.
هذا ما يخص السبلة العامة، إلا أن هناك سبلة مهجورة في كل منزل من منازلنا، رغم تجهيزها بأجمل التجهيزات، وصرف عليها الكثير من ديكورات وأدوات كهربائية والأثاث، بما قد يصل في بعض الأحيان إلى ربع تكلفة المنزل؛ كي تكون واجهة لصاحب المنزل تعكس مدى تطوره وذوقه الرفيع وإمكانياته المادية، وإن كان ذلك بالديون البنكية، ربما ذلك من الوجاهة والتباهي والتفاخر.
هذه السبلة ستظل مغلقة أياما وأسابيع وأشهر، وقد تصل إلى سنوات، فلا الضيف أتى، ولا أصحاب المنزل استفادوا من وجودها، وستبقى مهجورة إلى أن تأتي مناسبة ليدخلها الناس. وغالبا ما تكون هذه المناسبة للأسف هي انتظار المشيعون لجنازة صاحب المنزل الذي شيدها، وأنفق عليها الكثير حتى يخرج الجثمان، وهذه حقيقة لا مبالغة فيها وقد حدثت بالفعل؛ إذ دخلنا العديد من السبل الفارهة التي لم يسبق لنا أن دخلناها إلا عند وفاة صاحبها، وهناك بعض المناسبات النادرة التي تُستغل فيها هذه السبل كمناسبات الأعياد مثلاً حيث يجتمع الأهل والأقارب، أو احتفالية بسيطة كعيد ميلاد طفل، وهذه مناسبات قليلة ومتباعدة، ولعلك وأنت تقرأ هذه السطور، تجد مثالاً حدث لك لجار أو لصديق أو قريب، لم تدخل سبلته إلا لانتظار حمل جثمانه.
فهجران سبلة المنزل دليل على انقطاع التواصل والزيارات بين الناس، والأدهى والأمر أن يشمل ذلك انقطاع صلة الأرحام التي أوصانا بها ديننا الحنيف؛ فمن المؤسف والمحزن أن يصبح التواصل مقتصراً عبر وسائل التواصل الاجتماعي فقط.
muqbali@hotmail.com